مجالات العمل الخيرية في العالم الإسلامي

هذا تقرير لاقتراح خطّة العمل لمؤسسة خيرية عالمية في نهاية القرن الهجريّ السابق و قد أعدّ على طلب من بعض ذوي الشأن الّذين أرادوا تأسيس مؤسسة عالميّة كبيرة في دولة من الدّول الإسلامية. و إن بعض المعلومات في هذا التقرير أصبحت قديمة، ولكنّه يشتمل على مبادئ و مقترحات لا تزال حيّة إلى اليوم وفى انتظار من يقوم بتطبيقها في العالم الإسلاميّ. محمد تقي العثماني

بسم الله الرحمن الرحيم

من سُوءِ أعمالنا أنّنا لانجد فيما نعلم مؤسّسةً واحدةً للمسلمين تقوم على أُسُسٍ عالميّةٍ وتقوم بنَشَاطاتٍ فعّالةٍ لخير الإسلام والمسلمين، إذن ستكون المؤسَّسةُ المقترحةُ إن شاء الله مبتَكرةً وحيدةً فى العالَم الإسلاميّ.
ومن سوء أعمالنا أنّ المنظّماتِ الإسلاميّةَ فى بلاد المسلمين اليوم معظمها لا تُثمر نتائجَ مفيدةً جديرةً بالذِّكر مع ما يُصرَف فيها من مبالغَ كثيرةٍ وافرةٍ ، فالّذى يجب علينا قبل أن نقوم بهذه المؤسّسة أن نحترز كلَّ الاحتراز عمّا يُفضِى إلى هذه النّتيجة السَّيِّئة، ونُؤَسّسها على أُسُسٍ متينةٍ ومُخطَّطٍ علميٍّ دقيقٍ حتَّى تقومَ بخَدَماتٍ حقيقيّةٍ عمليّةٍ للإسلام والمسلمين، غيرَ متأثِّرةٍ بالمشاكل الّتى تَحُولُ دونَها، وغيرَ قاعدةٍ عن عملها المستمرّ، مهما كانت الموانعُ شديدةً مخوِّفةً.
وإنّما يُمكِن إقامةُ مثل هذه المؤسّسة بأن تيسّر لها فى أوّل نشأتها جميعُ ما تحتاج إليه من وسائلَ أساسيّةٍ وعواملَ حيّةٍ. ولتكن المؤسّسةُ شاملةً لأوسع ما يمكن من المجالات، مع النّظر الدّقيق فى ما يحدُث أو يُمكِن أن يحدُث فى المستقبل، حتَّى تستطيع أن تُقاوِم كُلَّ ما يحدث فى طريقها من مُشكلةٍ أو خَطَرٍ.
ويجب أن لاتكونَ قواعدُ المؤسَّسةِ مكتوبةً فى دُستورِها فحسبُ، بل يجب أن تكون معمولةً بها منذ أوّل يومٍ من أيّام حياتها.
وبعد هذا كلِّه، إنّ مسئلةَ تمويلِ هذه المؤسّسةِ لا تقلّ أهمّيّةً عمّا سبق لو لم تكن أكثرَ منها أهمّيّةً، ولنُبَيِّن كلا العاملين الأساسِيَّين بشيئ من التّفصيل:
ناحية تمويل المؤسسة
ولنبدأ قبل كلِّ شيئٍ بالنَّظَر فى طريق تمويل هذه المؤسّسةِ، وأَودُّ أن أُصَرِّح بكلّ تأكيدٍ أنّه مهما كان رأسُ مال هذه المؤسّسة كبيراً، فإنّه يجب أن يكون اعتمادُ تمويلِها فى المستقبَل على شتّى إداراتٍ تجاريّةٍ مبثوثةٍ فى العالَم، تستثمرُ بها هذه المؤسّسةُ أموالَها لكي تصيرَ آمِنَةً من كلّ خَطَرٍ ودائمةً على كلّ حالٍ.
المخطّط العمليّ
الأقسام الثّلاثه المستقلّة
ولتكن المؤسّسةُ مشتمِلةً على ثلاثه أقسامٍ مستقِلّةٍ، ولتكن هذه الأقسامُ الثّلاثهُ مسوقةً بالمركز الرّئيس لهذه المؤسسة، ويجب على هذه الأقسام الثّلاثة أن تَعرِض تقرير أعمالِها السَّنَوِيّ على هيئة المدِيرين العُليا لهذه المؤسَّسة.
وإنّ المركزَ الرّئيس، بعد إمساك ٢٥ فى مائة من دَخْل المؤسّسة السَّنَوِيّ للاحتفاظ والتّثمير توزع ٧٥ فى مائة الباقية على الأقسام الثّلاثة المذكوة على السَّوِيّة.، ويمكن أيضاً أن يقلّل هذا المبلغ المستحفَظ إلى ٢٠ فى مائة فى سنة مخصوصةٍ لتزداد المبالغ المصروفة إلى أحد الأقسام الثّلٰثة، إذا كان فى حاجة مستعجلةٍ إلى المبلغ الزّائد. وعلاوةً على ذلك، يُمكِن أن يقلّل ٥ % من مبلغ قسمٍ من الأقسام الثّلاثة لإنجاز حاجاتِ قسمٍ آخر إذا كان يُجابِه ظُروفاً غيرَ اعتيادية.
وإنّ الشّكل التّالِيَ يُوضح علاقةَ المركز الرّئيس وأقسامِه الثّلاثة:-

الهيئة الادارية لكل قسم من هذه الأقسام
تحتوِى إدارةُ كلِّ قسمٍ من هذه الأقسام الثّلاثةِ على أحدَ عشرَ عُضواً حَسَبَما يأتى:
عضوان من المملكة العربيّة السّعوديّة
عضوان من إفريقيّا
عضوان من آسيا والشرق الأوسط
عضوان من أوربّا
عضوان من أمريكا (شاملة لأمريكا اللّاطينيّة)
وقبل أن أخوضَ فى طريق عمل هذه الإدارات، أصرّحُ مرّةً أُخرَى بكلِّ تأكيدٍ، أنّه يجب أن يكون كلُّ قسمٍ من هذه الأقسام الثّلاثة مستقِلّاً عن الأقسام الأخرى مشتملاً على مسلمين ذوي السُّمعة الحسنة على مستوى العالم ومعروفين بالعلم والتّجربة فى ميادين عملهم المفوّضة إليهم.
وإنّ الأمينَ الشَّرَفيّ سوف يُنتَخَبُ بهيئة المديرين، وتكونُ مدّةُ عملِه أربعَ سنواتٍ على الأكثر من غير تجديدٍ لهذه المدّة، ويجب أن يأتِيَ أمينٌ جديدٌ بعد كلِّ أربعِ سنواتٍ، لئلّا يفتُرَ نشاطُ المؤسّسةِ فى حينٍ من الأحيان، ولئلّا يستَبِدّ أحدٌ من الآحاد على هذه المؤسّسة، شأنَ كثيرٍ من المنظّمات الإسلاميّة الّتى نَسِيَت مقاصدَها وذَهَلَت عن أهدافها من أجل هذا الاستبداد فى أكثر الأحوال. وإنّ أوّل ما تُجابِه منظّماتُ المسلمين من التّعاسة اليوم هو أنّ أمناءَه إنّما تُنتَخَبُ لوِجْهاتٍ سياسيّةٍ، ثمّ إنّهم يستبدّون على هذا المنصب مهما فسدت أعمالُهم وفتر نشاطُهم. فالّذى يجب فى هذه المؤسّسة أن يُنتَخَب أمينُها على أساسِ الصّلاحيّة والدّيانة والنّشاط، إذا كان يقصد بها الخير للمسلمين.
يجب لكلّ قسمٍ من هذه الأقسام الثّلاثه أن يكون له “أمينٌ عامٌّ” و “مجلس إداريٌّ” لأنّ كلّ واحدٍ منها سوف يتحمل أعباء الأعمال الثّقيلة، فلا بُدَّ لها من رجالٍ ذَوِي خِبْرةٍ تامّةٍ بميادين أعمالهم، وإنّهم سوف يسافرون إلى البلاد الأخرى الّتى يجرى فيها تلك الأعمال.
وسوف نحتاج فى قسم (( الهلال الأحمر )) إلى الأطبّاء ورجال الخبرة والتّجربة فى الطّبّ، كما نحتاج فى قسم ((الدّعوة)) إلى الدّعاة المسلمين ومَهَرَة التّعليم، ولكنّنا نحتاج فى قسم ((الأقليات المسلمة)) إلى طائفةٍ تشتمل على رجال السّياسة ورجال الدّعوة ورجال التّعليم، والّذى يهُمُّ هذا القسمَ أكثرَ من غيره أن يكون فيه رجالُ السّياسة، لأنّ مصالح الأقلِّيّات المسلِمةِ ربما تحتاج إلى التعامل مع الحكومات، وذلك أمرٌ لا بُدّ له من تجاربَ سياسيّةٍ. وليكن هؤلآء السّياسيّون مخلصين لمصالح المسلمين أجرياء للحقّ بُعَداء عن الجُبن والنّفاق.
ويجب أيضاً أن يكون المركزُ الرَّئيس لهذه المؤسّسة محكمَ الدُّستور والضّوابط جامعاً لأحكام الظّروف الممكنة، بحيث لا يقبل “أيّ تدخّلٍ أو تسيطُرٍ خارجيٍّ” فى حينٍ من الأحيان فى أمر من الأمور، وإنّ هذه النّكتةَ الأساسيّةَ هي الّتى تضمن لها النّشاط الدّائم والإفادة المستمرّة، ولئن لم يُحافِظ أصحابُها على قوّتِها الذّاتيّة، فإنّى أخاف عليها بأن تصير مثل سائر منظّماتِ المسلمين الّتى لا تُجدِى المسلمين نفعاً، والّتى لا تُثمِر واحداً فى مائةٍ من إمكانياتها مع بذل الأموال الخطيرة واستخدام الوسائل الجبّارة، والّتي لا تُجاوز أعمالهُا من عقد مؤتمراتٍ عالَميّةٍ ربّما تعوزه البركة والنفع.
بل وأقترح أن يكون من أصول هذه المؤسّسة أن لا يعقد أبداً مؤتمراً عالَمِيّاً عاديّاً، لأنّ المديرين لهذه المؤسّسة إن كانوا خُبَراء بميادين عَمَلِهم، نشيطين فى أعمالهم، سوف يحكمون فى أنفسهم ما هو الواجب فى تلك الظّروف، ولا يحتاجون إلى أمثال هذه المؤتمرات الّتى لا يخرج منها إلا قراراتٌ لا حياة فيها والّتي لا تُنتِج إلّا بذلَ الأموالِ العِظام من غير أيّما فائدةٍ.
ولئن احتاجت هذه المؤسّسةُ إلى آراء أهل الخِبْرة، فيمكنُ له أن يجمع دُزينة من الرّجال على الأكثر ممّن يحملون المعرفةَ التامّةَ والخِبْرة الصّادقة فى ميادينهم المختصّة، يجتمعون من بلاد شتّى فى صورة ورشة عمل ويتأمّلون فى مسائل الأمّة المسلمة حقَّ التأمُّل ويقضُون فى هذا التّفكير الاجتماعيّ أيّاماً أو أسابيعَ، حتّى يصلوا إلى نتائجَ عمليّةٍ تسير المؤسّسةُ فى ضوئها من غير تأخيرٍ. فمثل هذا المؤتمر يمكن أن يفيد الإسلامَ والمسلمين.
وإن العمل الهادئَ الّذى لا يتطلّبُ إلا رِضا الله سبحانَه هو الّذى يحمِلُ التّأثير وإنه ليجلِب الشُّهرة الواجبة والقبول العامّ بنفسه من غير إعمال هذه الوسائل الظّاهرة.
وإنّ المسلمين مع الأسف قد أصبحوا مُولَعِين بأسبابِ الشُّهرة، ومن سُوء أعمالنا أنّنا ربما نريد الشُّهرة قبل البدء فى العمل، بل ولا نبدأ فى العمل الحقيقيّ الخالص بعد ما قضينا أعواماً فى استخدام وسائلِ النّشر والتّشهير، ولذلك أوكد بكلّ صراحةٍ أنّه يجب لهذه المؤسّسة المقترَحَة أن تحترز عن أمثال هذه المفاسد كلَّ الاحتراز.
وأتقدّم الآن إلى توضيح تلك الأعمال الثّلاثة المقترَحة لهذه المؤسّسة الّتى لا يعمل لها المؤسّساتُ العالميّةُ الموجودةُ شيئاً.
١- قسم الأقلّيّات المسلمة
إنّ هذا القسم من أشمل أقسام هذه المؤسّسة لأنّه سوف يُعنَى بكلِّ ما يهُمّ الأقلّياتِ المسلِمة فى مشارقِ الأرض ومغاربِها ـ
إذا نظرنا إلى الظّروف العالميّة منذ مطلع هذا القرن، رأينا أنّه ليست فى العالَم أقلّيّةٌ- سواءٌ كانت نصرانيّةً أو يهوديّةً أو بوذيّةً أو هنوديّةً-كابدت من المصائب والمتاعب ما كابدته الأقلّيّاتُ المسلِمةُ فى بلاد العالَم جمعاء.
وإنّها لمأساةٌ عظيمةٌ أنّ المسلمين فى العالَم يقاسون من الشّدائد ما لا يُتصوّر، فإنّ كثيراً من البلاد المسلمة يحكم عليها أقلّيّاتٌ غير مسلمة، وبالخصوص فى إفريقيّا، لمجرّد أن المسلمين قد تجبّر عليهم الاستعمارُ بما جعلهم لا يوجد فيهم عددٌ يملأ الكفّ من رجالٍ تعلمّوا إلى مستَوَى الدّراسات الثّانويّة فضلاً عن مستوى الدّراسات العالية. فلمّا تحرّرت هذه البلاد-أمثال تنزانيا وموزمبيق وسينغال-لم يكن فى المسلمين من يقوم بأمورِ الحكومة، ففُوّضت الحكومةُ إلى رجالٍ كُفّارٍ، بل وإلى رجال ارتدّوا عن الإسلام، والعياذ بالله، على أيدى التبشيريّين، وتعلمّوا منهم العلوم الحاضرة.
ومن المؤسف فوق ذلك، أنّ الاستعمار قد تعمّد فى عهد حكومته إلى أن يقلّل من عدد المسلمين فى إحصاء السُّكّان بما يثبت أنّ المسلمين فى بلادهم فى أقلّيّةٍ. فالمسلمون فى هذه البلاد قد حُرموا عن كلِّ حقٍّ من حقوقِهم الواجبةِ. إنهم رُفضوا نصيبَهم المستَحَقِّ فى تلك البلاد، حتّى من حيث الأقلّيّةُ المزعومةُ، وحُرموا عن كلّ تعليمٍ، حتّى عن تعليمهم الدّينيّ، بما يجعل عقيدتَهم الدّينيّةَ تضمحلّ فى قلوبِهم وأذهانِهم شيئاً فشيئاً.
وكما أشرت إليه سابقاً، لا يوجد فى خريطة العالم أقلّيّةٌ -باستثناء الهريجيّين فى الهند والكيريّين فى بورما-تُقاسِى هذا الاضطهاد الشّديد الّذى تقاسيه الأقلّيّاتُ المسلِمةُ فى فلبائن وبورما وسيلون وتهائي لندا، والحبشة، وشرق أوربّا، وروسيا وفى الصّين، وفوق كلّ ذلك ما تُقاسيه مائةُ مليون نَسَمَة من المسلمين فى الهند: لا يمضى يومٌ من الأيّام فى الهند إلّا ويثور فيه هياجٌ جديدٌ ضدَّ المسلمين، يُذبَحُ فيه رجالُهم، وتُغصَبُ فيه أموالُهم، وتُنْتَهَكُ فيه عِصَمُهُم، وتُخطَفُ فيها بناتُهم والشُّرطةُ الهنديّةُ، بدلاً من أن تأسر هؤلآء الظّلمة، إنّما تأسر رجالاً من المسلمين، وإنّها لتَحمِى هؤلآء القاتلين والنّشّالين، وتجعل المظلومين من المسلمين يقضون أعمارهم فى السّجون فى ظروفٍ صَعْبَةٍ متعبة.
هذه هي الحقائقُ الثّابتةُ، وليست أساطيرَ مختلَقَةً، ولكنّ المسلمين وحكوماتِهم إمّا لا تعرفها، وإمّا لا تلتفت إليها.
وإنّها لوصمةٌ على جبين كلِّ حُكومةٍ مسلمةٍ ، أن يكون إخوانُهم المسلمون فى هذا البؤس والشّقاء، ولا تفعل لأجلهم شيئاً مع ما عندها من الأموال الخطيرة والوسائل الجبّارة الّتى تحمِلُ أَثَراً بالغاً فى العالَم.
وإنّ اضطهادَ المسلمين فى بورما قد فازت الحكومةُ بجعله سِرّاً من الأسرار الّتى لا تنكشف على أحد خارج بورما، إلّا ما نعرف على لسان بعض من يفرّ من “معسكرات الموت” الّتى نصبتها الحكومةُ فى منطقة ((أركان)) أنّه كيف يُذبَح فيها رجالُ المسلمين. لا تحمل صحيفةٌ من صُحُف العالَم أيَّ خَبَرٍ ممّا يقاسيه هؤلآءِ البائسون، فإنّ من يفرّ من “أركان” لا يحمل أهمّيّةً فى نظر العالَم حتّى يسمعَ قصّتَه النّاسُ، ويتأثّر به الرّجالُ.
وإنّه ليَعرِفُ كلُّ أحدٍ، أنّ المسلمين فى بورما لا يصل إليهم أيُّ كتابٍ دينيٍّ، حتّى القرآن الكريم، مع ما عندهم من الحاجة الشّديدة إليه وإنّهم قد رُفِضوا كلَّ حقٍّ من الحقوق الإنسانيّةِ الأساسيّةِ، ولكن لا تعبأ بهم مع الأَسَف أيُّ حكومةٍ إسلاميّةٍ.
وإنّ حكومة تهائي لندا الجنوبيّة تسعى بكلّ تعمُّدٍ وتدبير إلى إبادة المسلمين وإفنائهم باسم إبادة الشّيوعيّة، ولا شكّ أنّ بعض شبّانهم قد التحقوا بجماعة الشّيوعيّين، ولكن ليس ذلك إلّا لأنّهم لا يجدون أحداً يحميهم عما يقاسُون، إلّا بعض الشّيوعيّين الّذين يحمونهم لا ستعمالهم فى أغراضهم.
إنّ الأقلّياتِ المسلمةَ فى أكثر أَنحاءِ العالَم تحتاج إلى التفاتٍ سريعٍ وإلى معونةٍ من جهاتٍ شتَّى، فيجب مثلاً أن نطّلع على أحوالهم إطّلاعاً صحيحاً، ثمّ ننشر أخبارَهم فى الصُّحُفِ والمجلّات العالميّة، ونَلْفِت إليهم أنظار العالَم، ويجب أيضاً أن تَستعمِل الحكوماتُ المسلمةُ نفوذَها السّياسيَّ على الحكومات الكافرة المتعلّقة، وتَكبِسُها بما ينتج للأقلّيّات المسلمة نتائج مؤثّرة، وكذلك يجب أن يهتمّ المسلمون بإقامةِ معاهدَ و مدارسَ فى الأقلّيّات المسلمة، وبإمداد المدارس الموجودة فيهم الّتى تُواجِه من البؤس ما لا يُتصوّر لمجرّد أنّها تَعْدَمُ وسائلَ التّمويل، وجب أيضاً أن يُختار من الأقلّيّات المسلمة شَبَابٌ يُمنحون الوظائفَ التّعليميّةَ فى المملكة وخارجها لكى يسعَدُوا بالدّراسات العالية ويُصبِحُوا أملاً حيّاً لأهل دينهم فى بلادهم.
وهكذا تحتاج الأقلّيّاتُ المسلمةُ إلى مساعَدَاتٍ من جهاتٍ شتَّى، ويمكن لنا تأليفُ مجلَّدٍ كاملٍ على ما تقاسى هذه الأقلّيّاتُ من أنواع المصائب فى مختلف البلاد، ولكن الحكومات المسلمة، بدلا من أن تجتهد فى إنهاء هذه المظالم، لا تزال تُسَاعِدُ تلك الحكومات الظّالمة الّتى تضطهد المسلمين.
وإنّ فهرسَ أنواعِ المساعدات الّتى تحتاج إليها الأقلّيّاتُ المسلِمةُ لطويلٌ جدّا، وإنّما أشرنا إلى بعض الشُّئُون فى هذا التّقرير الموجز إعلاماً بأنّه يجب أن يكون لهذه المؤسّسةِ قسمٌ خاصٌّ يعُنٰى بشئون الأقلّيّات المسلمة فحسبُ، ليقصر نظره على هؤلآء البائسين، ويطّلع على أحوالهم ، ويجتهد فى إحياء حقوقهم فى مشارقِ الأرض ومغاربِها.
٢ـ قسم الدعوة والتعليم الإسلامي
هناك مجالاتٌ واسعة لهذه المؤسّسة فى قسم التّعليم والدّعوة أيضاً. ومن المؤلِم أنّ المسلمين لم يقوموا بواجبهم فى هذه النّاحية مع ما عندهم من وسائلَ وافرةٍ، والأَسَفُ على أنّه لا يُوجَدُ فى بعض ألسنة العالَم كتابٌ دينيٌّ، حتّى القرآن الكريم، وإنّ بعضَ التّراجمِ القرآنيّةِ الّتى تُوجَد فيها قد قام بها بعضُ غير المسلمين الّذين يُعرَفون بعصبيّتِهم وعنادهم ضدّ الإسلام والمسلمين.
وإنّ التّراجِمَ الإنكليزيّةَ الّتى قام بها بعضُ المسلمين مثل پكتهال وعبد الله يوسف عليّ، قد نشرها بعضُ التجّار الّذين يبيعونها بأثمانٍ غاليةٍ. وبينما توجد نسخةٌ من الكتاب المقدّس (بائبل) بإعداد رائع جميل بجنيه ونصف، لا يوجد نسخة من مصحف القرآن الكريم-ولو بإعداد طباعيٍّ بسيطٍ- إلّا بأربع جنيهات ونصف أو بخمس جنيهات. وهذا تكون هذه التّراجِمُ القرآنيّةُ فوق مستطاع الشّباب المسلمين. وممّا يُؤسِفُنا أنّ البلادَ المسلمةَ، مع ما أفاض الله عليها من أنواع الأموال والوسائل- لم تقم بعدُ بسدّ حاجاتِ المسلمين فى القرآن الكريم من هاتين النّاحيتين، مع أن ذلك لا يقتضي إلّا بضعة ملايين من دولارات.
ولو صرفت إحدى الحكومات المسلمة مليون دُولارٍ فحسب، نستطيع أن نملأ الأسواقَ بتراجم القرآن بالإنكليزيّة المطبوعة بطبعٍ فاخرٍ، ونُيَسِّر لكلّ أحدٍ الحصولَ على التّراجم الإنكليزية مع متنها العربيّ بدولارين فقط، وهكذا نستطيع أن نُبقي رأس المال لو أردنا بيع التّراجم الإنكليزيّة تَوْلِيَةً من دون رِبْحٍ. ولو كان الكتاب المقدّس للنّصارَى يباع بهذه الأسعار الخافضة، لماذا لا يمكن لنا أن نبيع التّراجم القرآنيّة بمثلها؟
وإنّ التّرجَمَةَ الإنكليزيّةَ للقرآن من أبرز الحاجات الّتى يحتاج إليها ناسٌ غيرُ المسلمين فإنّهم لا يجدون أمامَهم أيَّ ترجَمَةٍ للقرآن، ولو كانوا يجدونها فإنّها فوق مُتناوَلِهم من حيثُ السّعرُ.
ثمّ الحاجة ماسّةٌ إلى كُتُبٍ دينيّةٍ أُخرَى مبيعةٍ على أسعار منخفضةٍ، فإنّ هناك لغاتٍ كثيرةً لا يوجد فيها أيُّ كتابٍ دينيٍّ على سعرٍ معقولٍ ومقبولٍ. وإنّنا نحتاج إلى صرف مليوني دولار سنويّاً على الأقلّ للإكثار من المطبوعات الدّينيّة الّتى تُباع بأسعارٍ مُنَاسِبَةٍ فى اللّغات العالَمِيّة مثل الإنكليزيّة، والفرنساويّة، والألمانيّة، والإيطاليّة، والسّويسيّة، والأسبانيّة، واليابانيّة، والرّوسيّة، والصِّينيّة وبعض اللغات الافريقيّة. وعلى كلّ ذلك يجب علينا أن نخصّ بعضَ المطبوعاتِ الدّينيّة للتّوزيع مجّاناً بوساطة المنظَّمات الإسلاميّة.
إنّنا نرى البعثاتِ التّبشيريّةَ للنّصارَى تَصرِف ملايينَ دُولاراً فى بلاد المسلمين، وإنّها تصرِف فى مملَكَة واحدةٍ فقط -وهي اندونيسيا- ما بين عشرين إلى ثلاثين مليون دُولاراً ليرتدَّ فقراءُ المسلمين إلى النّصرانيّة، والعياذ بالله. وعندهم طائراتٌ خصوصيّةٌ ليسهل عليهم القيام بمشروعهم. ومن المؤسف أنّه لا يُوجَدُ على الأرض مملَكَةٌ واحدةٌ إسلاميّةٌ تَصْرِف مليونَيْ دُولارٍ فقط للدّعوة إلى الإسلام مع ما أفاض الله عليها من أمولٍ كثيرةٍ ووسائلَ عظيمةٍ.
وإنّ بعضَ المنظّماتِ الإسلاميّةِ قد نَشَرَت بعضَ النّشراتِ والكُتُبِ الدّينيّة فى بلاد مختَلِفَة ولكنّها مطبوعةٌ على وَجْهٍ لا يرضاه القُرّاءُ الأجانِبُ، على أنّ هذه الجهودَ المنفَرِدَةَ المنحازةَ ربما يصرف فيها مبالغُ كثيرةٌ، ولو كانت هذه الجهودُ مُنظّمةً مرتّبةً لاستفدنا بالمال القليل فوائدَ أكثر.
ومما يحقّ لكلّ مسلمٍ أن يفيض عليه عبرات الدّماء، أنّ الفرصة الّتى أُتيحت اليوم للمسلمين لإبلاغ دعوتهم الإسلاميّة فرصةٌ لم يَحظَ بها المسلمون أبداً فى تاريخهم عبر القرون الأربعة عشر.
إنّ عامّة النّاس من النّصارى فى الزّمن الماضِى كانوا قد أضلّهم ملوكُهم وأحبارُهم وصوّروا الإسلام أمامهم بصُوَر فاضحة مُوحِشة ، كأنّ الإسلامَ دينٌ جافٍ بعيدٌ عن الحضارة ليس لديه ما يَعرِضه أمام الرّكب الحضاريّ، وإنّه يعتبر المرأةَ كأنّها من الأنعام لا تحمل رُوحاً ولا قلباً. وإن أكذب الحديث الّذى دسّه أعداءُ الإسلام هؤلاء أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم استرق -والعياذ بالله- من النّصرانيّة أشياءَ وجعلها ديناً مستقِلًّا، إلى غير ذلك من الخرافات الّتى لا نهايةَ لها والّتي جعلتها علماءُ النّصارَى مرتكزِةً فى قلوب عامّتِهم.
ولكن اليوم -والحمد لله- أصبحت هذه الخرافاتُ تزول عن أفئدة أهل الغرب شيئا ً فشيئاً، وذلك بممارستهم بالمسلمين ولقاءاتهم بهم ومصاحبتهم فى ديارهم أنفسهم مما جعلت معظمَهم يستَيْقِنُون بأنّ كلّ ذلك من الأساطير المختَرَعَة الّتى وضعها التّعصُّبُ الدّينيُّ.
وفوق كلِّ ذلك أصبحَ النَّصَارَى اليوم قد تركوا كثيراً من عقائدِ دينِهم مثل عصمة البابا وغير ذلك، وإنّ أكثرهم اليوم يبحثون عن دين يقدر على طمئنة عقولِهم، ولذلك أصبحت جميعُ العَقَبات فى سبيل الدّعوة إلى الإسلام زائلةً والحمد لله، وصار سبيلُ الدّعوة مفتوحاً على مصراعيه لكلّ من أراد حملَ رسالةِ الإسلام إليهم.
وبجانب آخر قد أفاض الله سبحانه وتعالى كُنُوزاً من الأحوال والوسائل على دُوَلٍ صغيرة للمسلمين مثل دبي وأبو ظبي وقطر وشارقه وأمارات الخليج الأخرى، فضلاً عن الممالك الكبيرة، مثل المملكة العربيّة السّعوديّة وليبيا الّتى تحمل اليوم من الأموال ما لا يوجد له نظيرٌ فى الماضِى.
وهكذا جعل اللهُ كِلَا العامِلَيْنِ فى سبيل الدّعوة إلى الإسلام فى نصرة المسلمين، فلو صرفت الحكوماتُ الإسلاميّةُ جزءً يسيراً من أموالهم فى سبيل الدّعوة إلى الإسلام وصرفته بطُرُقٍ مُنَظَّمَةٍ على أيدى أصحاب ذوى خِبْرَةٍ فى هذا الصَّدَد، لكان النّفع فوق ما يُتَصوّر.
وإن الإمكانيّاتِ المشرِقَةَ للدّعوة إلى الإسلام لا تختصّ بممالكِ النَّصَارَى فحسبُ، وإنّما نجدها فى اليَابانِ وفى الشّرق البعيد وفى ديار البوذيّين والهنود وفى بعض بلاد إفريقيا النّاهضة أكثر وأكثر، فمواقعُ نشرِ الإسلام وتبليغِه مبثوثةٌ فى أنحاء العالَمِ كلِّه سِوَى ما نجده فى البلاد الشّيوعيّة، ويُوجَد فيها أيضاً رجالٌ يبحثون عن طرقٍ سليمةٍ لعبادة الله، ففى هذه الدُّنيا المفتوحة لرسالة الإسلام، نحتاج إلى جهودٍ منظَّمةٍ مُخلِصةٍ للدّعوة إلى الله سبحانه، ونرجو أن تُثمِر هذه الجهودُ فى سائر أنحاء الأرض فوق ما نتصوّر اليوم. ولكنّنا مع الأسف لا نستفيد فى وقتنا الحاضر بهذه الإمكانيّات المشرِقَةِ وبهذه الوسائل الجبّارة الّتى نملكها، فهذا ما يجعل كلَّ عينٍ تدمع عبرات الدّماء، والحقُّ أنّ عبراتِ الدِّماءِ لا تكفى لإبداء ما فى الخاطر من الحُزن والألم على هذه المأساة الكبرى.
وبجانب الكتب الدّينيّة تحتاج منظّماتُ المسلمين فى مختلِف أنحاءِ الأرض إلى مَعُونةٍ ماليّةٍ ولم تقم أيُّ مملكةٍ إسلاميّةٍ باستقراء علميٍّ تامٍ للمنظَّمات الإسلاميّة ولحاجاتها الحقيقيّة فنجد بعضَ المنظَّمَات المستحِقّة لا تستلم أيَّ نَوعٍ من المعونة بينما تستلم بعضُ المنظَّماتِ العديمةِ الفائدةِ مبالغَ كثيرةً لأنّها تعرف طُرُقَ جلب الأموال. ولا يَعرِف أحدٌ أنّها كيف تُصرَف هذه الأموالُ الخطيرةُ؟
ويمكن لنا أن نضع لقسم ((الأقلّيّات المسلمة)) وقسم ((الدّعوة والتعليم الإسلاميّ)) برامجَ أُخرَى غيرَ ما ذكرنا، وذلك عند المتقدّم إلى العمل بهذه المقتَرَحات.
وإنّ هذه الأعمالَ لا تحتاج إلى مالٍ كثيرٍ، وإنّما يحتاج كلُّ قسمٍ إلى خسمة أو سبعة ملايين دُولار سنويّاً، وإنّ هذا المبلغَ سيكفِى إن شاء الله تعالى للعمل المثمِر الدّائمِ طوال الأحقاب، وذلك المبلغ أقلُّ قليلٍ بالنّسبة إلى ما يصرف اليوم لأعمال لا فائدة فيها.
٣ـ قسم الهلال الأحمر
إنّ مجالَ النَّشاطات فى قسم الهلال الأحمر واسِعٌ أيضاً. هنالك ممالِكُ مسلِمةٌ بلغت الغايةَ فى الفقر والإعدام، وإنّها تُواجِه مصائبَ كُلَّمَا عَرَضَتْها مشكلةٌ اجتماعيّةٌ. والحالُ أسوء عند الأقلّيّات المسلِمة فى الممالك المعدمة.
فكانت معظمُ مناطق الهند-مثلا-فى سنة ١٩٧٤-٧٥ مُجدِبَةً، وخاصّةً فى گجرات ووسط الهند، فالمسلمون بما يقاسونه من الاضطهاد فى الهند، لم يقدِرُوا على إعانةِ إخوانهم البائسين، فمات منهم عددٌ كثيرٌ جُوعاً، ولكنّ ذلك لم يُنشَر فى الجرائد الهنديّة ولا فى الجرائد العالَميّة، وكذلك مات أكثرُ من مليون نسمة، معظمُهم مسلمون- فى بنغلاديش قبل سنتين- وكذلك أَجْدَبَتْ أوساطُ إفريقيّا فى العام الماضِى والّذى قبله، وكان معظم سُكّانِها مسلمين. ولما أنّ الجرائدَ العالميّةَ قد نشرت أخبارَ هذا القحط، قد بعثت إليهم الأممُ المتّحِدةُ بشيئٍ من المعونة، وكذلك قد جمعت بعضُ المنظَّماتُ المسِيحِيّةُ مثل ((الصّليب الأحمر)) التبرّعاتِ لهؤلاء البائسين، ولكنّه لم يكن هناك-فيما أعلم- أيّة منظّمةٍ إسلاميّةٍ تقوم بهذا العمل الإنسانيّ، لأنّه لا يوجد فيهم أيّةُ مُنظَّمةٍ تقوم على أُسُسٍ عالَميّةٍ.
ولما تسيطر الشّيوعيّون على كمبوڈيا ولاؤس وويت نام، ابتُلِي عددٌ كثيرٌ من المسلمين بالقتل والذّبح، والله سبحانه أعلم بعددهم، ولكن لم يعرف أحدٌ أخبارَهم، ولا قامت مؤسَّسةٌ إسلاميّةٌ باستطلاع أحوالهم. ومن المعتاد أنّ الجرائدَ العالَميّةَ تجلس صامتةً على مصائبِ المسلمين، مهما كانت شديدةً عنيفةً، ولو كان الآلافُ منهم يُقتَلون كلَّ يومٍ أو يُذبَحون ، والحقّ أنّ الجرائدَ فى العالَم الإسلاميّ كلَّها تابعةٌ عملاً لوكالاتِ الأَنْباء العالَميّة الّتى يقود مُعظمَها النّصارَى واليهودُ، ولا يَملِك العالَم الإسلاميّ وكالةً واحدةً للأنباء.
وإن بعضَ المسلمين من هذه البلاد قدهاجروا إلى تهائي لندا، وإنّ الحكومة التهائية لا تُشجِّع أبداً على هذه الهجرة، لأنّها تضطهد المسلمين بنفسها فى جنوب البلاد، فلذلك قد رُدّ من هؤلاء عددٌ غيرُ قليلٍ، ولا شكّ فى أنّهم قتلوا بالشّيوعيّين بعد الرّجوع إلى أوطانهم، والّذين مكثوا فى تهائي لندا إنما يعيشون عيشة بائسة مُؤلِمة.
وإن آلافا من الأنعام تُذبَح فى منى كلَّ عامٍ عند موسِم الحجّ، ويستطيع قسمُ ((الهلال الأحمر)) أن يستفيد من لحومها وجلودها ويقسّمها بين المسلمين الذين يموتون جُوعاً فى البلاد الأخرَى.
ويجب على قسم ((الهلال الأحمر)) أن يقوم بخَدَماتٍ إنسانيّةٍ فى كلِّ موضعٍ أصيب بنوعٍ من أنواع البلاء، ويوفر لدى المصابين ما يحتاجون إليه من الغذاء واللباس والسّكن والأدوية. وإنّ ذلك يحتاج إلى جماعةٍ للإِسعاف مستعدّة لأداء واجبها كلَّ حِينٍ.
وفى الختام أدعو الله سبحانه وتعالى أن يوفِّق المسلمين للقيام بهذه الأعمال العظيمة وساطة المؤسّسة المقتَرَحَة، والله سبحانه هو الموفق.