وقتك حياتك (الحصة الثانية)

بسم الله الرحمن الرحيم

يا لها من صَفْقَةٍ خاسِرَةٍ !
النبيّ صلى الله علىه وسلم شبّه هاتين النّعمتين برأس مال التّاجر. فالتّاجر يستثمر بالمال لِيَدُرَّ عليه أرباحاً طائلةً، فيا لفداحة الخسارة إذا ضاع فيها رأسُ ماله بدل أن ينال ربحاً. فهكذا الوقت والفراغ رأس مال المسلم، منحهما الله ليستثمرهما ويستغلّهما فيما يفيده في الدّنيا أوينفعه في الآخرة، فلو ضيّعهما سُدىً وفيما لا يعنيه لا في هذه ولا في تلك فالخسارة أفدح والخيبة أعظم.
وبما أنّ معظم البشريّة لا يعتني باستغلال لحظات الحياة في غفلة تسوِّلهم أن الصحة تدوم والفراغ لا يزال، فورد الحديث يوجِّههم أن ينتبهوا من هذه الرقدة المدهشة قبل أن يأتي عليهم يومٌ لا تبقى عندهم سوى حسراتٍ وزفراتٍ ولكن من دون أي طائل ومن غير أيّ جدوى ! كما قال الشيخ العارفي. رحمه الله.
ميں ديكھتا ہی ره گيا نيرنگ ِ صبح وشام
عمرِ فسانہ ساز گزرتی چلی گئی
كان حظّي من الزّمان أن بقيت أَرَى منه تَقَلُّبَه ليلَ نهارَ وصباحَ مساءَ فحسبُ، حتّى انقضى عليّ عمري!
وهذا كان دورَ الأنبياء، بُعثوا ليوجِّهوا الخلق إلى معرفة قدرهما قبل أن تزول هذه ويفنى ذاك. ومن هذا قال النبي صلى الله علىه وسلم:« اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هَرَمِك، وصحّتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفَراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك »
اغتنم شبابك وما فيه من قُوّةٍ متدفّقة لو شئت لفتَّتَّ بها الصُّخورَ تفتيتا، وهمة عالية لو أردت لنطحت بها الثُّريّا، وفتوّة نابهة تذلِّل بها كل صعبة قبل أن تطرق الشيبة بابك فتفتر الهمة وتزول القوة ولا تجد بك حراكا.
كذلك اغتنم صحّتك الّتي تمكِّنك من كل شيئٍ قبل أن يعروك مرضٌ يضنيك!
غناك قبل فقرك:
اغتنم غناك بصرف المال في وجوه الخير قبل أن ينوبك فقرٌ يصيبك إفلاساً وتقلّشاً. فالمال غادٍ ورائحٌ، لو لم تستفد منه بابتغاء الدار الآخرة لضاع سُدىً وتبقى ولها حائراً.
قصّةٌ عجيبةٌ:
قصّها الشّيخ التّهانويّ رحمه الله في إحدى مواعظه، وهي: أنه توفي في «داكه»- عاصمة البنغلاديش حاليا- حاكمٌ خلف ابناً وابنةً وترك لهما مالاً كثيراً. وكان الولدان من الاستكبار والتعلي- من جانب- والإسراف والبذخ – من آخر- بمكان. فمرة أشعل الابنُ كبريتاً، فأعجبتْه رائحةٌ تفوح من العُود. فأصبحت هذه هوايتَه: إشعال أعواد الكباريت عنده واحداً تلو آخر وهو يتمتّع بعبيرها، حتّى ضيّع فيها الثّروة الهائلة تماماً. أمّا الابنة فذهبت مرّةً إلى السُّوق واشترت القماش فأعجبها صوت قطعه بالمقراض وجرّه باليد جرّاً. فأصبحت هذه هوايتَها، تُقطع لديها الأقمشة وهي تمتع بصوتها. وهكذا ضيّعت مالها سُدىً وفي غير وجه. فكان من جراء ذلك أن ذهب المال، ونفدت الثروة، وتناوبتهما فاقةٌ، وأصبحا يتسولان في السّوق (وهي حتّى الأن تعرف ب‘‘ بيغم بازار’’سوق الملكة)
لذا فعليك أن تستغلّ المال باستعماله في وجوه الخير قبل أن يدور الزمان، فيبدل بالغنى فقرا وبالثرى إعوازا.
وحياتك قبل موتك:
هذا هو لبّ الحديث وفذلكة الكلام، أن تغتنم حياتك الّتي هي رأس مالك في تجارة الآخرة.
الحكمة وراء النهي عن تمني الموت:
ومن هذا المنطلق ورد النهي عن تمنّي الموت؛ لأنّه لو تمنّاه أحدٌ فأتاه فجأة لحرم لحظات الحياة التي كان في كل لحظة منها بإمكانه أن يعمل عملا يحبه اللهُ ويرضاه، فيكفيه نجاةً وخلاصاً.
فالحياة ليست ملكَك الشّخصيَّ البحت، بل هي أمانةٌ من الله، منحك إيّاها لتصلح بها آخرتك. وسوف تُسأل عنها لدى الله عزّ وعلا، لذا فاغتنمها واصرفها بدقّة وحزم.
التقنيةالحديثة أبقت لنا وقتا كثيرا:
لو سرحنا الطّرْف على الحياة قبل خمسين سنة، حيث لا غاز ولا طاحونة ولا ماكينة عجن ولا طائرة، وكان تجهيز كأس من الشّاي يستغرق نصفَ ساعة (ما قد يتمّ اليوم بفضل الغاز في دقيقتين) وكانت المرأة المسكينة تُعالج طحن الدّقيق والتّوابل بنفسها ثم تعجن وتخبز. أما اليوم فتطحن ماكينة وتعجن أخرى، وما إن تلقيه المرأة في التنور حتى يصبح خبزا جاهزا. وقبلا كانت الرحلة إلى لاهور مثلا تستغرق يوما وليلة بالقطار، وقد أصبحت اليوم بفضل الطائرة حديث ساعاتٍ ودقائقَ.
فالحقّ أنّ التقنية الحديثة أبقت لنا وقتاً كثيراً، ولكن من جهة أخرى لو سرحنا الطّرْف على أعمالنا وروتينياتنا لوجدنا أن معظم ذاك الوقت المتبقّي يأكله الاعتناء بالفضول وما لا يعني بل ربما ما يضرّ.
لذا نسمع كلَّ واحد يقول:لا فرصة عندي وليس لديّ وقتٌ، رغم من أنّ عند كلِّ أحد ساعاتٍ، ولكنّ التعامي عن قدرها وعدم الاعتناء باستعمالها يتسبب لإضاعتها سدى. يقوم هنا ساعة ويتحدث مع هذا فيما لا يعنيه ساعة، ومع ذاك أخرى، وهكذا تمر به ساعات في غفلة. ثم حين العمل أو القيام بالأمر الهامّ ينعيها شاكياً ضيقَها وعدمَ كفايتها لحوائجه. وليس إلّا أنّ الغفلة محقت وقته، فأصبح لا يكفيه لمهامه.
وهذا هو المرض الرّئيسيّ الّذي أصيبت به الأمّةُ بالرّغم من أن جمیع تعاليم الإسلام تنبئ بوضوح عن مدی اعتنائه بجانب مقصد حفظ الوقت، مثلا يذهب أحدنا لزيارة مريضٍ، فالسنّة ألّا يُطيل عنده الجلوس، فلو راعى هذه السّنّة المطهّرة لحفظ وقته ووقت صاحبه، ولكنّه لو عكس الأمر فأطال عنده الجلوس لضاعت لحظات من وقتهما سُدىً.
كذلك يذهب أحدنا لمقابلة ولقاء صاحبه، فعليه أن يكلّمه فيما يحتاج أويضاحكه قليلاً لو شاء. وليس أن يُضحّيَ بساعات من وقته في فضول وما لا يُجدِيه شيئا ولا يعنيه.
كيف تحفظ وقتك؟
كان والدي رحمه الله كثيرا ما يحثّ على استعمال الوقت بحزم ودقّة، و كان قد لقّننا أفضل طريق لصيانته من الضياع، وهي أنّه إذا كان من المتوقَّع عندك أنك سوف تجد وقتاً- ولو قليلاً- فعليك أن تنظِّم له وتقرِّر في ذهنك من قبل أنّك سوف تصرفه في شغل كذا. وهكذا يُمكن أن تستفيد من كلّ دقيقة وثانية من وقتك الثّمين. وإلّا فما تجده من الوقت الفارغ يمكن أن يضيع في التّفكير في اختيار العمل الّذي تقوم به فيه.
السلف والوقت:
والذين وُفِّقوا لقدر الوقت لا تذهب لهم لحظةٌ سُدىً، ولو لم يكن عندهم شيئٌ فذكر الله شغلهم مُشاةً وقياماً وقعوداً وعلى جنوبهم. انظروا، هذا الحافظ ابن حجر كيف يستغلّ فُرَصَ حياته؟! يكتب ويكتب حتّى إذا احتاج إلى ترقيقِ القلم، أخذ السّكّين وبدأ يقطعه، بينما في السّاعة نفسِها بدأ لسانُه يذكر الله!
وهنا أدعوك إلى أن تقوم بتسريح النّظر على لحظاتك واستعراضها بعمق وشمول. سوف تجدها على ثلثة أنواع:
۱- لحظات تستعملها في صالح مُجدٍ.
۲- وأخرى في ضارّ مضِرّ.
۳- وأخرى في فضولٍ وما لايعني.
والقسم الثّالث في الحقيقة من القسم الثاني؛ فإنّ الوقت رأس مال المسلم، فضياعه فيما لا ينفعه ولا يدرّ عليه ربحا أيضا نوعٌ من الخسران على ما علیه عرفٌ سائدٌ لدى التّجّار، كما كان في قصّة هندوكسي ( والهندوس معروفون بشدة ولههم ونهمهم) يباشر الصّيدلة، حيث إنّه مرّةً أجلس ابنَه في مخزنه وأخبره أنّ هاتين القارورتين تتشابهان صورةً ولكنّهما تتباينان قيمةً، فهذه بروبيّتين وتيك بمائتين، فحذار أن تبيع قارورة مائتين بروبيّتين. ذهب الأب وجاء الزّبون، فحدث ماكان يخافه الأب: الابن أعطاه قارورة مائتين بروبيتين. وما إن سمعه الأب حتّى غضب غضباً شديداً، فسبّ الابن وزجره زجراً كان له أثرٌ في قلب الابن حيث اغتمّ له غمّاً شديداً منعه من أن يذوق طعاما أو يسوغ شرابا طيلةَ اليوم. فلمّا رأى الأب ذلك قال له:رحماك على نفسك يا بني، فما ضاع في الصّفقة رأس مالى، بل ستّة فلوسٍ مازالت من الرّبح. ولكن يؤسفني ما ضاعت من فرصة ربح مائتي روبيّة!
فالحاصل أنّ التجّار يعتبرون ضياعَ فرصة الرّبح أيضا خُسراناً. وبما أنّ الفضول وما لا يعني يؤدّي إلى ضياع فرصة استثمار اللّحظات في الخير لذا فهو أيضا خُسرانٌ أيّ خسرانٍ!
وفي الأخير أوجّهك إلى أمرين هامّين:
۱: ينبغي أن يكون لديك شعورٌ بالغٌ بقيمةِ الوقت ومكانته، وأن يُؤمِن قلبُك بأنّ لحظةً من لحظاتك لا تساويها قطعاتٌ من الذّهب والفضّة ولا كوماتٌ من الدّنانير والدُّولارات.
أرى كثيراً من النّاس يقضون ساعةً من الوقت في الحديث مع هذا، وأخرى مع ذاك، ولا يعرفون للوقت أيّةَ قيمةٍ. ومن جهلهم قدر الوقت يقولون: أيُّ حَرَجٍ في بذل ساعات في الحديث – ولوغير الهام- مع هذا أوذاك؟ فهذا كلام فارغ وتبرير زائف ناجم عن عدم التوعية بقيمة الوقت ودوره في رقي الشعوب ونهضة الملل.
ولتوعية القلب بهذا ينبغي أن تحفظ نصّ الحديثين:
“نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النّاس: الصّحّة والفراغ”
وقوله عليه السلام:
“اغتنم خمسا قبل خمس. شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك”
وبإعمال التّفكير في معانيهما ثم استعراض الحياة في ضوئهما سوف تصبح يوما ما ذا معرفة بقدر الوقت تحثّك على استغلاله وتجنِّبك إهداره والعبث به وإضاعته فضولا وفيما لايعني.
۲: ترتيب وجدولة الأوقات:
ابدأ بترتيب أوقاتك منذ أن تنتبه فجراً إلى أن تنام ليلاً، بأن تسرّح النّظر على حياتك فتستعرض حوائجك وأشغالك، ثم تحدّد لكلّ حاجةٍ وشغلٍ فرصةً من الوقت قدرَ ما تحتاج، فتخصّها به وتبذلها فيه. وينبغي أن تُراعَى فيها الأمور الأتية:
۱. حقوق النّفس اللّازمة، فتحدّد للاستراحة ستّ ساعاتٍ مثلاً، وتحدّد للأكل وقتاً يحتاج إليه.
۲. حقوق الأهل، فتحدّد كم وقتا ًتقضيه في الحديث معهم والقيام بتأدية حقوقهم.
۳.كذلك تعين وقتا للعبادة تصرفه فيها.
4. وكذلك للحوائج الأخرى، مثلاً: كم وقتاً تحتاج لعملك ووظيفتك؟ وكم لأشغالك العلميّة وغيرها من الشُّؤون؟
بعد ما رتَّبتَ ونظَّمتَ أوقاتَك تنظيماً، تُحاوِل أن تؤدّيَ كلَّ عملٍ في وقته المحدّد له في الجدولة، ولو سَئِمَ القلبُ وملّ الطّبعُ وأَبَى الخاطر.
تلاحظ أنّ الشّيطان-بعد التّنظيم والجدولة- يجلب عليك بخيله ورجله ليلعب دورَه في إفساد ترتيبك والإخلال بجدولتك، فينشئ فيك الاضطرابَ أو الكسلَ أوكذا وكذا. وخلال مواظبتك على العمل سوف یوقعك فی مرحلة يفزع فيها قلبك ويضطرب عن القيام بالعمل، وهي مرحلةُ ابتلاءٍ واختبارٍ ومقارعةٍ وكفاحٍ بينك وبينه، فلو استسلمت له، وخضعت لسلطانه وقوّته، وتركت العمل تكاسُلاً أو اضطراباً أو هلعا وفزعاً: فاعتبر أنّ الشّيطان غلبك وفاز، وهزمك هزيمة نكراء! ولكن لو صمدت أمامه صمودَ الرّاسيات وصممتَ العزمَ على أن تؤدّيَ كلَّ عمل في وقته ولو اضطرب القلب ونفر الطّبع، وركّزت في نفسك أن لا قيمة لرغبة القلب وعدمها في العمل، بل هو واجبك، عليك القيام به في وقته مهما كان من شيئ: لانتصرت في المعركة وذلَّلت كلَّ صعب، ومهّدت لك طريق اتّباع التّنظيم والجدولة في المستقبل إن شاء الله، وبذلك يكون الشّيطانُ قد انهزم وولّى مُدبِراً خائباً- ولا بدّ، فكيده ضعيفٌ ومَكْرُهُ زائلٌ وخُدَعُه فاشلةٌ- وهو كعَدُوٍّ لئيمٍ ماكرٍ، إنّما يسطو عليك إذا أرخيت له العنان واستضعفت عنده نفسك.
كيف تواظب على تنظيم وقتك؟
أدِّ كل عمل في وقته. ولا تنتطر أن تجد القرار والطّمانينة في قلبك ثم تقدم على العمل. فمثلاً: خصصت وقتاً للتّلاوة، فعليك فيه أن تأخذ المصحف وتتلو، فربما تتقاعس أوتتناعس أوتتكاسل، ولكن عليك بها ولو كان هذا أوذاك، وحدِّث نفسَك أنّك مصمّم على إنجازها. فلو فعلت فلن تمرّ عليك إلّا أيّامٌ قلائلُ حتّى تتوطّن عليها نفسك وتصبح لها كعادةٍ ثابتةٍ ومستمرّة إن شاء الله.
وكان الشّيخُ التّهانويّ رحمه الله يقول: “الأمر البسيطُ الّذي هو لبّ الحكمة والإحسان وحصيلته: هو أنّك لو اعتراك كسل في أداء طاعة فعليك أن تُقاوِمه وتُؤدِّيَ تلك الطّاعةَ، وكذلك لو في مجانبة معصية فعليك أن تُقاوِمَه وتُجانِب تلك المعصيةَ.”
لذا لا بدّ من مقاومة نزوعات النّفس وميولها، وربما إكراهها على العمل بالرّغم من إبائها عنه. وبه تصل إلى الهدف المنشود إن شاء الله. أوما سمعت قول الله تعالى:
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾
[العنكبوت: 2] ومُشكلتُنا أنّ كثيراً منّا ممن ليس له أيُّ ترتيبِ أوقاتٍ ولا جدولةِ أعمالٍ، يزاولون عملاً واجههم أو شغلا داهمهم صدفةً ومن غير تنظيم مسبق، وكان من جَراء ذلك أن عدلوا عن جادّة الاعتدال، فما احتاج إلى وقت أقلّ بذلوا فيه أكثرَ وبالعكس. ومن وُفّق منّا لترتيب الوقت وتنظيمه فليست عنده أيّةُ مواظبة عليه، يفسده لكسل أو لأدنى شيئ وربما للاشيئ. فيا أسفاً! إلى متى نبقَى عَبَدَةَ الكسل والهوى ؟ ويا للخُسران إذا أصابنا الموتُ ونحن في غفلة وكسل! ومتَى نأخذ قولَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم “وحياتَك قبل موتِك” مأخذ الاعتبار والامتثال؟! ومن ضمن لنا الحياة إلى أن ننتبه من الغفلة ونؤدّيَ الواجب؟
الحاجة إلى اللّجوء إلى الله!
هناك أمرٌ آخرُ جرّبته ووجدته أجدى وأنفع، وهو أن تدعو الله دبر صلاة الفجر كالتالى:
اللّهم طلع عليّ فجرُ اليوم الجديد، أخوض معركة الحياة من جديد، فبفضلك وكرمك وَفِّقني لأنتهز لحظاته وأبذلها في عمل من أعمال الخير، وجنِّبني أن أُضيع منها لحظةً سُدىً وفيما لا يعنيني.
وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلّم حين مطلع الشّمس يدعو بقوله:
“الحمد لله الذي أقالنا يومنا هذا ولم يُهلكنا بذنوبنا” (أقال: أعاد)
وكالعهد بغيرها من الدّعوات المأثورة – أنّها تحمل في طياتها أكواناً من المعاني- وجّهنا من خلال هذا الدعاء إلى أمرين هامّين:
۱: ينبغي أن يكون لديك شعورٌ بالغٌ بقيمة هذا اليوم، حيث إنّك كدت أن تهلك اللّيلة لذنوبك ومعاصيك، ولكن الله عافاك وحباك هذا اليوم من جديد.
۲:عليك أن تقدره حقّ القدر كفُرصةٍ أخرى أتيحت لك لتتوب وتعود وتبذلها في عملٍ من أعمالِ الخير. وإيّاك أن تلتئمها لك غفلة أوتطويها تحت ركام الكسل!
لقد وردت في الأحاديث عدّةُ أدعية كان النّبيّ صلّى الله علىه وسلم يدعو بها بعد الفجر، علينا أن نعضّ عليها بالنّواجذ، وهي:
۱: اللّهم إنّي أسئلك خيرَ هذا اليوم وخيرَ ما بعده. وأعوذ بك من شرّ هذا اليوم وشرّ ما بعده.
۲: اللهم إني أسئلك خير هذا اليوم وفتحه ونصره ونوره وبركته وعاقبته وهداه.
۳:اللهم اجعل أوّلَ هذا النّهار صلاحاً. وأوسطَه فلاحاً. وآخِرَه نجاحاً.
فأولا نظِّم أوقاتك وجَدْوِلْ لأعمالك، ثم عض على ذلك بالنواجذ، ومع ذلك تسأل الله التوفيق، فبهذه العناصر الثلاثة (تنظيم الأوقات، ثم المواظبة عليه، وطلب التّوفيق من الله) تخوض غمار معركة الحياة سوف تنتصر على إبليس وجنوده إن شاء الله!
وفي الأخير حين تأوِى إلى مضجعك ليلا استعرض لحظات يومك في ضوء جدولتك، فما أدّيتَه من عملٍ فاشكر عليه اللهَ، وما فاتك فاستغفر اللهَ وتُب عليه وصمّم العزمَ من جديدٍ. فلو داومتَ على هذا طيلة حياتك سوف يستقبلك النّجاحُ والخلاصُ إن شاء الله!

ثلاث محاضرات تربوية ألقاها سماحة
الشيخ المفتى محمد تقي العثماني حفظه الله تعالى ورعاه،
حول عظم الوقت وقيمته وأهميته في حياة المسلم،
وطرق استغلاله في صالح مُجدٍ،
وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة تجاهه،
الفاشية في الأوساط الملتزمة بصفة خاصة وغيرها عامة.
قام بتلخيصها بالعربية الأخ الفاضل كليم الله،
خريج درجة التخصص فى الإفتاء من جامعة دار العلوم كراتشي.