كيف تغتنم الشهر الكريم

تعريب ملخصا لمحاضرتين تربوييتين ألقاهما سماحة
الشيخ المفتى محمد تقي العثماني حفظه الله تعالى ورعاه،
قام بتعريبهما الأخ الفاضل الشيخ كليم الله،
المتخصص فى الإفتاء والأستاذ بجامعة دار العلوم كراتشى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام علی رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أما بعد:

شهر الله !
رمضان نعمة من الله عظیمة ،إنما یقدره حق القدر من سما بروحه عن کثافة المادة إلى عالم القرب والرضى ،وطفق یلمس ما یحدث فیه من تهطال سحائب الرحمة والغفران وهبوب ریاح المن والإحسان ،وتوالی أنوار تملأ الأکوان، لذا کان النبی صلى الله علیه وسلم بعد ما استهل رجب یکثر أن یدعو:
اللهم بارک لنا فی رجب وشعبان ، وبلغنا رمضان (مسند البزار ،رقم : 6496(
وإنما کان ينتظر هذا الشهر الکریم بغایة شوق واللهفة لما أنه کان على أتم المعرفة بقدره وأنه شهر الله ،أما نحن الذین لا تعدو أبصارنا الظاهر، فلا نعرف منه سوى أنه شهر صیام وقیام ،ولکن الحقیقة أعظم من ذلک ،فإنه شهر الله ،أکرم الله به عباده لیغتنموه کوسیلة للتزلف إلیه والتحرر من المادة ومتاعب الشئوون الدنیویة التی شغلتهم لیل نهار، فألهتهم عن الروح ومقتضیاتها ، والآخرة وواجباتها طیلة أحد عشر شهرا تماما.
لما ذا خلق الإنسان ؟
الآیة الکریمة : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون [الذاريات : 56[
تنبئی بصراحة عن الغرض الذی خلق لأجله الإنسان ،وهی عبادة الرب الذی خلقه.
كما أن الملائکة أیضا یعبدونه ،إلا أن عبادتهم جبریة جبلت علیها نفوسهم ورفع عنها خمیرهم، فلیس فیهم إلا مادتها دون ما یضادها أو یخل بها ،أما الإنسان ففطرته مرکبة کلف بالعبادة رغم العوائق دونه ودونها من الأهواء والعواطف والبواعث على المعاصی والحوائج اللازمة التی لا بد من قضائها للعیش على البسیطة حیا، ففضله إذن فی العبادة أکثر من غیره حتى الملائکة.
قسما العبادة :
ولکن هنا لا بد من التنبیه على أمر هامّ ربما تنشأ أخطاء جمة من سوء تفهمه، وهو أن العبادة على نوعین :
(۱) عبادة لعینها وبلا واسطة :
وهی الّتی وضعت عبادة لذاتها محضة،بحیث لا یکون من القیام بها أی غرض سوى التعبد والتذلل إلى الله سبحانه وتعالى کالصلاة والصوم والحج.
(۲) عبادة لغیرها :
وهی الّتی لم یکن جانب التعبّد من غرضها الأصليّ المقصود منها ،بل فاعلها قام بها لقضاء حاجة أورغبة دنیویة ولکنّه راعى فیها حدود الشرع ،واتبع فیها سنة الرسول صلى الله علیه وسلم ،ونوى بها إرضاءالرّب سبحانه وتعالى ،فهذا یعتبر فی حقّه عبادةً یأجره الله علیها ، ککسب الحلال مثلا، فإن الإنسان إنما یکسب لیقضی به حوائج نفسه وعیاله ،ولکنه لو قام به بنیة أداء حقوق النفس والعیال المفروضة علیه شرعاً فهذه النّیّة تحوّله إلى عبادة یؤجر علیها.
والنوع الأول أفضل وأعلى ،وهو المعنى بالآیة الکریمة {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون [الذاريات : 56]}ولم یسمح الشرع بترکه فی حال ما ،کما أنه یُقدَّم عند التّعارض بین النّوعین، مثلا طبیب یشتغل بخدمة الخلق عن طریق معالجتهم ،فلا یجوز له أن یترک الصلاة تبریرا بکونه مشغولا بخدمة الخلق الّتي تعدّ ذاتَ أهمّيّة بالغة شرعا،لأن الصلاة عبادة لعینها فلا یجوز ترکها ولا تأخیرها لما اعتبر عبادة لغیرها.
الإنسان بین العبادة والدّنیا :
وفذلکة الکلام أن الله إنّما خلق الإنسان لیَبتَلِیَه یؤدی فی زحمة الأشغال والأهواء والعواطف واجب العبادة أم لا ؟ ثم حیث إننا إنّما خُلِقْنا للعبادة أوّلاً بجانب أن الله قد اشترى منا أنفُسَنا بجنّةٍ عَرْضُها السّماوات والأرض ، لذا لوکان قد کُلِّفنا باستیعاب جمیع لحظات العمر بالعبادة لم یکن ظُلماً ولا عُدوانًا ، ولکنّه رَحِمَنا فسَمَح لنا أن نتّخذ العبادة ومکاسب الدنیا کلتیهما جنبا إلى جنب ،حیث أجازنا أن نتّجر ونزرع، ولکن الإنسان حینما خرج یکتسب ، واتّخذ هذه الأشیاء حِرَفا نَسِي أنّ له ربًّا خَلَقَه لغرض آخر ، ومالکاً قد اشترى منه نفسه بثمن أغلى کالجنة ،له علیه عهود ومواثیق وواجبات لا بدّ له من القیام بها ! فغلبت دنیاه عبادتَهُ، وباتت تشغل معظمَ بل ربما جمیعَ الحیاة الّتی إنّما منحها للعبادة.
رمضان فرصة التّقرّب :
ثم من طبیعة العبادة أنها تزلف المرء إلى الخالق وتجعل صلته به وطیدة أکیدة،کما أن الأشغال الدنیویّة ولولم تعدَّ حدود الشرع تُبْعِده عن الجانب الرّوحيّ وتکاد تُوقِعه فی المعاصی ، فإطلاقا من هذا لما رکز الإنسانُ نظرَه وصرف عنایته إلى الدنیا طیلة أحد عشر شهرا غلبته المادّة وضعفت صلتُه بالخالق، فأراد الله بمنّه وکَرَمه أن یُدْنِیَه منه، فأنزل رمضان وجعله شهرَ الله، شهرَ العبادة والقربة ، لیعود الإنسان إلى خالقه ویکون صلته به من جدید ، ولیصقل قلبه من الصدإ الذی غشیه، ولیَنْتَبِهْ من الرقدة الروحیّة الّتی مازالت تصاحبه خلال أحد عشر شهرا ، وجعل الصوم بجانب غیره من العبادات أعظم وسیلة لتحقیق هذه الأهداف.
وشرع بالآیة الکریمة :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون [البقرة 183 :]
فعلمنا فی ضوء الآیة أنّ الغرض من الصّیام أن نُحدث التقوى ونُقوِّي مادّتَها الّتی ضعّفتها الجهود المبذولة وراء الدّنیا فی غیر رمضان ، وإنما یتسنى تحقیق هذا الهدف المنشود المذکور أعلاه باستغلال جمیع لحظات الشهر بالطاعة والعبادة.
کیف تستقبل الزائرَ الکریمَ ؟
وکان والدی رحمه الله یقول :أفضل طریق لاستقبال الشهر الکریم أن تسرح قبل قدومه النظر على روتینیاتك وأعمالك ، فما أمکن منها ترکه أوتأخیره إلى ما بعد رمضان فافعل حتى تقضيَه فی العبادة، لذا فمن استطاع أن یحصل على الإجازات السّنویّة فی رمضان فلیفعل ، ومن لا فعلیه أن یرتّب ساعاتِه وینظّم أوقاتَه تنظیماً، یخصّص منها فرصة مدیدة للنوع الأوّل من العبادات، العبادات لذاتها، فإنّ لها شأنًا کبیرا ومکانةً رفیعةً ،یمکننا أن نقدرها من خلال أن الله أمر النبی صلى الله علیه وسلم بالرغم من أن حیاتَه کلَّها کانت عبادةً و دعوةً، وجهاداً ،وتزکیةً، وتوعیةً وما إلى ذلك أن یُتعِب فیها نفسَه ،حیث قال عز من قائل : فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ [الشرح: 7[ فلم یَدَعْ للشیطان مجالا لیغرّ أحدا ویردعه عن هذه العبادة بتبریر شغله بدراسات علمیّة، أوخدمة الخلق أو أشغال دینیّة أخرى مما یمکن عدُّها من النّوع الثانی من العبادات، فمن تکن حیاته کحیاة النبی صلى الله علیه وسلم طاعة وعبادة وکفاحا يفوز.
ولتحقیق الهدف المنشود من رمضان ینبغی لنا القیام بالأمور التالیة:
الإکثارمن الصلوات :
فإ ن الصلاة معراج المؤمنین ،أتحفهم الله بها لیلة الإسراء، وکفى لها شرفا أن جعلت فیها قرة عین المصطفى صلى الله علیه وسلم ، والسجدة التی هی معظم الصلاة وأعظم أجزائها تُتِیح للمرء فرصةً لیقوم في أقرب مقام من الخالق سبحانه وتعالى، فهی إذن أقرب سبب موصل إلیه سبحانه وتعالى ؛ ومن هذا رتّب القرب على السجدة قائلا : وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب [العلق : 19 [
وکمحاولةٍ لتقریب العبد إلى الله ، وتنحیةٍ البعد الناشئ بینهما والمستمرّ طیلةأحد شهرا شرعت صلاة التّراویح الّتى تُتِیح للعبد أربعین فرصة سعیدة لیقوم أقرب مقام من خالقه سبحانه وتعالى ، ومن العجب إذا کان الله یرید أن یمنحنا أربعین مقاما للقرب فنرفضها ونقول :تکفینا ثمانیة ، ولاحاجة لنا فی المزید!
الإکثار من التلاوة :
بجانب الصیام والقیام ینبغی لنا أن نولي القرآن الکریم عنایةً خاصّةً ، کیف لا وللقرآن صلة بهذا الشّهر الکریم ،حیث أنزل فیه ،(وکان جبرئیل یلقى النبی صلى الله علیه وسلم کل لیلة من رمضان فیدارسه القرآن ) واقتداء به کان السّلف یهتمّون فیه بتلاوة القرآن الکریم أکثر من أيّ شهر آخر ، فیروى عن الإمام أبی حنیفة رحمه الله أنه کان یختم القرآن کل لیلة من رمضان مرّتین،مرّةً نهارا وأخرى لیلا ً، هذا ومرة فی التراویح، فکانت له إحدى وستون ختمة.
الإکثار من الصلوات النافلة :
رمضان یسهل لنا القیام بعدید من النوافل الّتی لا نقوم بها عادةً ، فمثلا فی آخر اللیل ننتبه للسحور ، فیمکننا التهجّد براحة إذا انتبهنا باکرا، لذا فینبغی لنا أن ننتهب برکاتِ رمضان من خلال العنایة بها وبغیرها من النوافل کالضحى والأوّابین مثلا.
الإکثار من الصدقات النافلة :
کذلک علینا أن نعتنی بجانب الزکاة بالإکثار من الصدقات النافلة ، فإن رمضان شهر جود وسخاء ومواساة ، وکان النبی صلى الله علیه وسلم أجود ما یکون فی رمضان ،کان أجود من الریح المرسلة ، یعطی سائلا ویمنح فقیرا،لا یخیب من سأله ولایفشل من استجداه.
الإکثار من الذکر :
کما ینبغی لنا أن نستوعب جمیع لحظات هذا الشهر الکریم بذکر الله قیاما وقعودا وعلى جنوبنا، وماشین فی حاجة، أومشتغلین فی أمر وکل حین ینبغی أن تکون ألسنتُنا رطبةً بذکر الله من بین التسبیح والتحمید والحوقلة والاستغفار والصلاة على النبی صلى الله علیه وسلم.
الإکثار من الدعاء :
رمضان شهر خیر وبرکة ،تهبّ فیها ریاحُ القبول والإجابة ،وتدرّ سحائبُ الرحمة والغفران، والملک الصمد ینادی : هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من سائل فأعطیه؟ ولکن العبد المفتقر مازال ناعسا فی غفلة ورقدة !!! فاسألوا الله مولاکم لیل نهار وصباح مساء ،یفیض علیکم جودا وکرما ،یغفر لکم ذنوبکم ،ویقضی حاجاتکم، وما أکثر ما تحتاجون، ویؤتیکم سؤلکم ،ولا غرو فکیف یخیب من لبّى نداءَ الملك ، فسأله ودعاه!، وکان مرشدی الشیخُ العارفي رحمه الله معنیا بهذا للغایة ، فبعد العصر کان یمکث فی المسجد ،یتلو ویسبح قلیلا ،ثم لا یزال یدعو ویسأل الله حتى مغیب الشمس وحینونة الإفطار، فهلمّوا نُقْبِل على الدّعاء والسؤال ، ندعو الله لأنفسنا وأقربائنا، وأمّتنا وبلادنا.
رمضان شهر التقوى:
لنجعل صیامنا وقیامنا مسدا لأنفسنا دون المعاصی، فحذار حذار من استخدام النظر فیما لا یرضاه الله ورسوله ،وإطالة اللسان فی الکذب والغیبة وما لا یعنی أو التسبب في إذاية الآخرین ،فیا للعجب أمسکْنَا أنفُسَنا عن الطیبات والعبادات ثم أطلقنا لها سراحها تسرح فی المعاصی کل مسرح ، وأرسلنا للسان عنانها يذهب فی الکلام کل مذهب حتى الغیبة الّتی اعتبرها القرآن أکل لحم أخٍ میّت ، فحذار فحذار من موبقات اللسان والفضول من القول والفعل والصحبة.
ولیُلاحَظْ أنّ الاجتناب عن المعاصی أهم وأبجل من هذه المندوبات بکثیر، فمن صان نفسه عن المعصیة ،وحفظ لسانه عن اللفتة ،وعینه عن الخیانة فلا یضیره أنه لم یصلّ نافلة ولا تصدق بروبیة ولا تلا آیة ،أما من صام ثم ارتکب هذه الکبائر فلیس له من صیامه إلاالجوع والعطش، کما ورد فی الحدیث: (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع )أی لاتناله برکات ذاک الصوم وحسناته ، ولو کان یعتبر به شرعا إلى حد فراغ الذمة عن الواجب.
رمضان دورة تربویة للحصول على التقوى :
وحسب الآیة: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون [البقرة : 183] فالنتیجة المرتبة على الصیام هي التقوى ، فعلله البعض بأن الجوع والعطش یکسران القوة الحیوانیة والبهیمیة المودعة فی الإنسان ،ولکن الشیخ التهانوی رحمه الله قال:إن الصیام نفسه تقوى ،لأن مغزى التقوى أن یمتنع المرءعن المعصیة خشیة لله واستحضارا لعظمته ،والصائم یروض نفسه على ذلک،حیث إنه یمتنع عن الشراب والطعام رغم القدرة علیهما لمجرد أن الله یراه! ثم العبد لما أخلص امتناعه عن المفطرات لله ، فالله تکفل بجزیل أجره وفوضه أمر صيامه إلى نفسه قائلا )الصوم لی وأنا أجزی به(
فحسب المطّرد أن الدواء بل وکل شئ إنما ینفع إذاکان معه احتماء ووقایة عما يخالفه ویضاده ، فکذلک الصّیام إنما یجدی ویوصل إلى التقوى إذا کان معه احتماء عن المعاصی وعن کل ما یضاده، لذا فالصیام دورة تدریبیة على التقوى استمرارا إلى ما بعد رمضان، والنجاح فی هذه الدّورة التدریبیّة إنما یتمّ إذا دام المرء على التّقوى واستمرّ، فلوبعد رمضان استهوتک نفسك إلى المعصیة فعلیک أن تلاحظ وتراقب وتتفکر أن الله الذی لأجله امتنعت عن الشراب والطعام فی رمضان یراک!
الحکمة وراء تشریع الصوم :
الأصل فیه أن المقصود منه امتثال واتباع أمر الله ، الذی علیه مدار الدّین، وتدورحوله رحاه، فمتى أمرنا بالأکل أکلنا ، ومتى أمرنا بالإمساک أمسکنا ،ولو کان مما یدهش العقل ویحیره ، فانظروا ! أمرنا بالإمساک طیلة النهار ، ثم بعد مغیب الشمس أمرنا بتعجیل الإفطار ماأمکن بعد تحقُّق دخول اللّیل، فلو تناول أحدٌ قبل المغیب بدقیقة حبة من حمصة لزمته کفارة صیام شهرین متتابعین ، أما بعد مرور تلک الدقیقة وتحقُّق غروب الشّمس، فالله نفسه یأمرنا بالأکل بل ویحضُّنا على التعجیل فیه، کذلک شأن السّحور استحبّ التّأخیر فیه لتحقق معنى امتداد الإباحة إلى آخر اللیل ،وکان ذاک دأبَ الصّحابة ، یتسحرون قبل طلوع الفجر بقدر خمسین آیة فقط ،والغرض من ذلک اتباع حکم الله ،فهو أباح لنا الأکل إلى الفجر ،فمن أمسک قبله کما هو دأب البعض الیوم یتسحّرون منتصف اللیل فکأنه أحدث فی الدین وزاد فی الصوم.
وأخیرا ثلثة أمور :
فی الأخیر أوجّهکم إلى ثلثة أمور هامة ،لا بد أن نعتنی بها فی رمضان امتدادا منه إلى ما بعده :
(الأول)
وداعا للمعاصی صغیرها وکبیرها ،جلها وحقیرها، هذا الشهر تماما ،فإن المعصیة تُحرمک برکاتِه ،وثوابَ صیامِه وقیامِه، فلینظر کلٌ فی تلبابه ولیتفکّر ما المعصیة هو یقترفها ؟ ثم لیعاهد الله أنه یغادرها ویبتعد عنها هذا الشهر تماما، وبما أن النفس التی رضعت بتعاطیها قلّما یسهل فطامها ،لذا فعلى صاحبها حسب ما قال الشیخ العارفي رحمه الله أن یتخلّص من المعاصی تعلیلا للنفس بتأجیلها وإنظارها إلى ما بعد رمضان،ثم عسى الله ببرکة الاجتناب فی الشهر المبارک یثبته علیه بعد رمضان أیضا.
الثانی)التحری للمأکل الحلال) :
فإن للأکل من الکسب الحلال دخلا کبیرا وأثرا بارزا فی قبولیة الأعمال ورفع منزلتها عند الله ، وهذا لیس مما یستحال أویتعذر، بل الأمر سهل ، فإن الذین یتعاطون الحرام منهم مَن أصل کسبهم ومهنتهم حلال ،إلا أنه یشوبه بعض الحرام من الرشوة وغیرها ، فالأمر لهم هیّن، یحتاج إلى عنایة قلیلة،أما من کان أصل کسبه من الحرام مثل أن یکون موظَّفا فی مؤسّسة ربویّة فلقنه مرشدی طریقا یخلصه من الحرام هذا الشهر ،وهو أن یحاول أولا الحصول على الإجازة لهذا الشهر ،ثم یشتغل بالکسب الحلال ، فلولم یمکنه یستقرض لمصارفه مبلغا ینفقه علیه وعلى عیاله هذا الشهر، وهکذا یتم أکله من الحلال.
ثالثا)حذار من الغضب وما یعقبه من الجدال والضراب والتسابب فی شهر الخیر والمواساة والبرکة)،
وفي الحديث : “وإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم فليقل إني صائم”
وأخيرا نسأل الله تعالى أن يوفّقنا للعمل بهذه الأمور حتّى نستغلّ لحظات الشهر الكريم ونتمتع ببركاته وأنواره كثيرا وكثيرا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(سنن الترمذی ،رقم 764)