كليم الله البشيني
عضو هيئة التدريس بجامعة دار العلوم كراتشي

بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ العلامة محمد تقي العثماني حفظه الله
لمحات من حياته، وتعريف بخدماته ومؤلفاته

مدخل:
إذا كان الحديث عن “النعمان” هو المسك الذي مهما كررته يتضوع، وإذا كان من المؤكد باتّا أن الرحمات الإلهية تتنزل عند ذكر الصالحين، وأن السيرة الصالحة تدع في نفوس قارئيها آثارا إيجابية قوية، تفتح له آفاق التقدم والرقي في مجال العلم وتساعده في تحقيق الأهداف ومواجهة المشاكل تماما كما مرّ به صاحب السيرة، فإننا اليوم نسعد بقضاء عدة لحظات في رحاب تلكم الشخصية العبقرية الفذّة التي ليس من المجافاة ولا من الإطراء أن نعتبرها –في جدارة وكفاءة-عالما موسوعيا، الذي أتقن علوم الشريعة الأساسية وتضلع منها، ثم قضى –ولم يزل- حياته في التعايش معها لصالح الإسلام وخدمة المسلمين. نعم، تلكم هي شخصية العلامة الشيخ محمد تقي العثماني، الذي وفّقه الله ليقضي حياته كلها في التعامل مع علوم الشريعة عامة والفقه منها خاصة، ومن ثم قيّضه ليفتح أبوابا ويُربّي أجيالا ويرشد أقواما في مجال الفقه الإسلامي وتطبيقه على الواقع المعاصر؛ فمنذ ريعان عمره وعنفوان شبابه تراه وهو ينقر المصادر الفقهية ويقضي من أوقاته الكثير الكثير عاكفا عليها ومنتهلا منها، ثم يتقدم به العمر فيتخرج رسميا من كبرى الجامعات الإسلامية في البلاد، ويختار لتخصصه قسم الإفتاء الذي هو من أدقّ مجالات الفقه وأخطرها، ثم يُتْبِعها بالدراسة للاقتصاد العصري والقانون الوضعي، ثم ينزل إلى ميدان الحياة، حيث يبدأ بقلمه ولسانه كفاحا فعليا ونضالا مستمرا في الذب عن الشريعة الإسلامية والذود عن معالمها في مواجهة التيارات الإلحادية والعلمانية والشيوعية، وفي سبيل تنفيذ الشريعة الإسلامية وقانونها في الدولة على الصعيدين: الرسمي والشخصي. ومن جانب آخر فهو لم يدع مجال تخصصه ولا ميدان عمله الأصلي، حيث لم يزل مشغولا في دراسة العلوم الشرعية وتدريسها والكتابة فيها، ما جعله بحق عالما موسوعيا له يد طولى وباع واسعة في جلّ العلوم الشريعة. وفي هذه العجالة سنحاول أن نقدّم إلى السادة القراء لمحات من حياته ونبذة عن جهوده وخدماته في مجال العلوم الشرعية وتطبيقها الفعلي في العصر الراهن. وسوف يدور كلامنا فيها حول ثلاثة محاور:
(١) سيرته الشخصية
(٢) سيرته العلمية وتعريف بخدماته فى مجالات شتى
(٣) تعريف بكتبه ومؤلفاته فى اللغات الثلاثة العربية، والأردية والإنكليزية (يتبع بمسرد تفصيلي لجميع مؤلفاته)
والله نسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، ويوفقنا للتمسك بذيل النصفة والاعتدال، ومجانبة الإطراء والمبالغة فيما نقول ونكتب. والله من وراء القصد وهو الموفق لما يحب ويرضى.
1. سيرته الشخصية:
1.اسمه ونسبه:
هو الشيخ العلامة القاضي محمد تقي العثماني بن الشيخ المفتي محمد شفيع بن الشيخ محمد ياسين بن خليفة تحسين علي بن ميانجي إمام علي بن ميانجي الحافظ كريم الله بن ميانجي خير الله بن ميانجي شكر الله.
وحيث كان ينتمي نسبه إلى سيدنا عثمان رضي الله عنه- حسبما هو مستفيض فى الأجيال المتتالية والعصور المتلاحقة- لذا استأنست ألسنة الناس “العثماني” كجزء لا ينفك مع أعضاء هذه الأسرة.

2. ولادته ومحلها:
ولد الشيخ القاضي محمد تقي العثماني حفظه الله في خامس شوال سنة 1362هـ الموافق لـ 3 أكتوبر 1943م في قرية (ديوبند) من محافظة (سهارنفور) الهند. واشتهرت قرية (ديوبند) هذه لوجود أكبر مركز تعليمي إسلامي على أرضها، وهو (مدرسة ديوبند) التي اشتهرت بـ “أزهر الهند” والتي خرّجت آلاف العلماء ورجال الفكر الإسلامي والدعاة الذين أعادوا ذكرى السلف الصالح.
3. أسرته:
وُلد حفظه الله في أسرة اشتهرت بخدمة العلم وأهله منذ عرف تاريخها، ويشهد على ذلك كلمة (ميانجي) التي أصبحت جزءً غير منفصل عن أسماء مشايخ هذه الأسرة، ومعنى (ميانجي) في اللغة الهندية هو المعلِّم أوالمدرِّس، فمهنة هذه الأسرة هي التعليم والتدريس.
وحينما نلقي النظرة على عائلته من هذه الناحية۔ فنجد فيها جده الشيخ محمد ياسين الذي كان من أوائل الطلاب الذين تتلمذوا على مشايخ مدرسة ديوبند في عهدها الأول، ثم عيِّن أستاذا في المدرسة ذاتها أستاذا للأدب الفارسي –وللفارسية آنذاك من الذيوع والدور الكبير ما للإنجليزية اليوم- ووصل إلى مرتبة رئيس المدرسين لشعبة الأدب الفارسي.
ووالده هو الفقيه الفذُّ الشيخ المفتي محمد شفيع رحمه الله، الذي كان هو العامل الأقوى -بعد فضل الله سبحانه وتعالى -في تفقيه نجله صاحب الترجمة وتربيته تربية إسلامية صالحة وتوجيه مساره وخدماته إلى ما فيه صلاح الإسلام وخدمة المسلمين.
4. هجرته إلى باكستان:
وحيث كان والده المفتي محمد شفيع رحمه الله قد لعِب دورا قياديا بارزا في استقلال باكستان كأول دولة تظهر على خريطة المعمورة باسم الدين والنظرية الإسلامية، فإنه ساهم في إرساء المبادئ الإسلامية فيها عن طريق التشريع ووضع الدستور وما إلى ذلك. ولتحقيق هذا الغرض قرّر أن يهاجر إلى باكستان. ولقد دخل هذا القرار حيّز التنفيذ في 20 جمادى الآخرة سنة 1367هـ الموافق لغرة مايو عام 1948م. ونزل بأهله –بما فيهم صاحب الترجمة حفظه الله، الذي كان آنذاك في السنة الخامسة من عمره-في مدينة كراتشي بعد سفر مرهق دام لستة أيام.
5. مرحلة طلب العلم:
لقد حصل حفظه الله على دراسته الابتدائية في اللغة الأردية والفارسية في البيت لدى والديه الكريمين رحمهما الله. ولما تمّ تأسيس دار العلوم التحق بها، فتلقى هنالك أولا بعض الموادّ الفارسية والأردية.
ثم دخل مرحلة “الدرس النظامي” (المنهج المقرر لدراسة العلوم الدينية والعربية في شبه القارة الهندية) في 5 شوال سنة 1372هـ، وهو ابن ثماني سنوات. واجتاز هذه المرحلة من الدراسة وهو مكِبّ على تلقّي الموادِّ العلمية المختلفة برغبة صادقة، وجَلَد عظيم، وتفانٍ مُضْنٍ في شتّى العلوم والفنون. وكان قد امتزج التنقيب والبحث عن الكتب العلمية بلحمه ودمه، إلى حدّ أنه لم يعرف في أيام دراسته “يوم العطلة” بالمعنى المعروف في أوساط الطلبة؛ إذ إنه كلما كان يرجع إلى منزله في نهاية الأسبوع بعد جُهد مرهق في الدرس يدخل في مكتبة والده، فيعكف على القراءة والتنقيب في الكتب، أويقوم ببعض الخدمات العلمية التي كان يفوّضها إليه والده من حين لآخر لينتهي وقت العطلة دون أن يشعر بها.
وتخرّج من مرحلة “الدرس النظامي” سنة 1379هـ الموافق لـ 1959م، ونال الشهادة العالمية بدرجة امتياز. ثم تخرّج من قسم التخصص في الإفتاء، الذي تدرب فيه على كتابة الفتاوى واستخراج المسائل والنوازل من بطون المصادر الفقهية، ثم صوغها في قالب الفتوى. وكل ذلك تحت إشراف وتوجيه والده المفتي الأكبر المفتي محمد شفيع رحمه الله.
6. العلوم التي تلقّاها:
أما العلوم التي تلقّاها وبرع فيها في الدراسة النظامية فهي تكاد تعمّ كلّا من علوم الشريعة وعلوم الآلة؛ فقد درس التفسير، والحديث، والفقه، وأصوله، والفرائض، والعقائد والكلام، والعلوم المتصلة بالأدب العربي من النحو، والصرف، والنصوص الأدبية منظومها ومنثورها، على علماء ومشايخ متفنّنين، وساعده على ذلك ولعه في قراءة الكتب للمنهاج الدراسي.
7. أشهر شيوخه في الدراسة النظامية: كان الشَّيخ محمَّد تقيّ من أوائل الطُّلاب في دار العلوم، فاستطاع أن يستفيدَ من المشايخ الأجلاَّء الذين اضطلعوا بحمل التَّدريس فيها، وفي طليعتهم والده الشَّيخ المفتي محمد شفيع -رحمه الله-
ومنهم أيضاً أذكر:
الشَّيخ العلامة أكبر علي: كان من أفاضل أهل العلم والصَّلاح، درَّس في دار العلوم قرابة خمسين سنة. درس عليه الشَّيخ محمَّد تقيّ الكثيرَ من الكتب، وأبرزها (التَّوضيح على التَّلويح) في أصول الفقه و (تفسير الجلالين).
الشَّيخ المفتي وليّ حسن: عالمٌ متخصِّص بالفقه والإفتاء، وتربويٌّ فذٌّ. قرأ عليه الشَّيخ محمَّد تقيّ الكثيرَ من الكتب الدِّراسية منذ بداية دراسته إلى الصف الخامس، فقرأ عليه (الهداية) للمرغيناني، وكان للشَّيخ ولي عنايةٌ خاصَّة في تكوين ذوق القراءة والمطالعة لدى تلميذه الشَّيخ محمَّد تقيّ.
الشَّيخ المجاهد مولانا نور أحمد: كان السَّاعدَ الأيمن للشَّيخ المفتي محمَّد شفيع في تأسيس جامعة دار العلوم في كراتشي، وعُيِّن مديراً أعلى فيها، وهو الذي أسَّس المطبعة الشَّهيرة (إدارة القرآن والعلوم الإسلامية) بمدينة كراتشي، وقد درس عليه الشَّيخ محمَّد تقيّ في المرحلة الابتدائية.
المفتي العلامة الشَّيخ رشيد أحمد: تولى التَّدريس في دار العلوم من سنة 1376هـ إلى سنة 1383هـ، وقد درس عليه الشَّيخ محمَّد تقيّ (الصحيح) للإمام البخاري.
الشَّيخ العلاَّمة محمد رعاية الله: أدَّى دوراً بارزاً في خدمة التَّدريس في دار العلوم، كما قام بمسؤولية تنظيم أمورها بصفة عميدٍ عامٍّ لها.
الشَّيخ العلاَّمة الحافظ سحبان محمود: العميد وشيخ الحديث بجامعة دار العلوم كراتشي سابقا، وكان علما بارزا في العلوم الحديثية والفقهية، ورمزا في مجال التَّربية الإسلامية.
الشَّيخ العلاَّمة الدَّاعية الحافظ سليم الله خان: رئيس الجامعة الفاروقية ومؤسِّسها، وشيخ حديثها حالياً، قدَّم ويقدِّم خدماتٍ دينيةً جليلةً في مختلف المجالات.
الشَّيخ العلاَّمة شمس الحق: علمٌ بارزٌ في المعرفة الدَّقيقة للفلسفة والمباحث العقلية المتَّصلة بالعقائد، كما أنه كان عالما بصيرا في العلوم الحديثية والفقهية، وقد شغل منصبَ مديرٍ عامٍّ في جامعة العلوم كراتشي.
8. دراسته للعلوم العصرية:
بعد التخرج من العلوم الشرعية والعربية، عزَم على دراسة الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسة الحديثة بإشارة من والده رحمه الله، فبرع في هذه العلوم في بضع سنين، حيث نال شهادة “الليسانس” في الاقتصاد والسياسة من جامعة كراتشي سنة 1964م، كما نال شهادة “الليسانس” في الحقوق بمرتبة الشرف الثانية عام 1967م من الجامعة نفسها.
ثمّ توجه إلى اللغة العربية، فنال شهادة “الماجستير” في العلوم العربية بمرتبة الشرف الأولى من جامعة بنجاب سنة 1970م.
وفي دراسته للعلوم العصرية لم يجعل همّه الحصول على الشهادة، وإنما كان أكبر همِّه أن ينال دراسات عميقة في هذه العلوم. ومن هنا لم يكتف بدراسة المنهج المقرّر في كلية القانون وكليّة الاقتصاد والسياسة، بل قرأ ودرس كل ما تيسّر له من الموادّ العلمية في هذه الموضوعات، واستطاع بفضل الله تعالى، ثم بفضل جهوده الجبّارة أن يسبر أعماق هذه العلوم، ويستخرج كنوزها صافية نقيّة، ليكرّ عليها مرة ثانية بمقارنتها مع الشريعة الإسلامية ليُحق الحق منها ويبطل الباطل، على بصيرة وبرهان، دون استسلام وتقليد لما يقوله الناس. ويمكننا أن نلخص مؤهلاته العلمية كالتالي:
جامعة دار العلوم كراتشي
شهادة “التخصّص فى الإفتاء” بمثابة الدكتوراه فى الإفتاء ومناهجه ۱٩٦۱م
شهادة “العالميّة” المعادلة للماجستير فى العلوم الإسلاميّة ۱٩٥٩م
جامعة كراتشي
بكالوريوس فى القانون والحقوق بتقدير درجة الشّرف ۱٩٦٧م
بكالوريوس فى الاقتصاد والسّياسة ۱٩٦٤م
جامعة بنجاب
الماجستير فى اللغة العربيّة بتقدير درجة الشرف ۱٩٧٠م
شهادة “فاضل عربيّ” بتقدير درجة الشرف ۱٩٥٨م
9. استرشاده بمشاىخ الطريقة: وانطلاقا مما للتربية الروحية وتزكية النفس من دور كبير في تحلية العالم بشِيم نبيلة وأخلاق سامية وخصائل مرضية ينشدها ديننا الحنيف من الزهد في الدنيا والاستقامة على الخير، ورغبة صادقة في الآخرة، ونزوعا بالغا إلى القيام بما يجب عليه من حق الله وحق عباده، راجع القاضي محمد تقي العثماني حفظه الله الشيخَ عبد الحي عارفي رحمه الله، أجلَّ خلفاء الإمام أشرف علي التهانوي رحمه الله في الطريقة المأثورة في تزكية الأخلاق مبتعدا عن البِدَع والخرافات التي راجت بهذا الاسم، وكان ممن تشرّب منهجه في التربية، واضطلع بأفكاره في إصلاح النفوس البشرية، وأساليب تزكيتها وتوجيهها من غيِّها إلى رشادها. وظل القاضي حفظه الله يستفيد من الشيخ رحمه الله إلى أن وافته المنيَّة في 15 رجب المرجب سنة 1406هـ. وبعد وفاته رحمه الله، راجع الشيخ مسيح الله خان رحمه الله، وكان أيضا من خلفاء الشيخ التهانوي رحمه الله. واستمرت استفادته منه إلى وفاته في 26 جمادى الأولى سنة 1413هـ.
10. نظرة على مكانته العلمية:
ولقد يسّر الله سبحانه وتعالى للشيخ محمد تقي العثماني حفظه الله ما يسّر للعلماء الصالحين الأفاضل الموفقين إلى الخير، من أسرة علمية كريمة، وأساتذة بررة متفننين، ومواهب شخصية فذّة، وفرصة كافية للاستفادة العلمية، ودراسة معمّقة في العلوم العصرية إلى جانب العلوم والثقافة الإسلامية، ثم تجارب متتالية من خلال رحلات معظمها علمية؛ حيث أتاحت له أن يلاقي كبار علماء العالم الإسلامي على تعدّد مسالكهم ومشاربهم وتخصصاتهم.
ومع خوضه غمار العلوم العصرية المذكورة في هذه المرحلة، بدافع الضرورة وسائق الحاجة، فإن الفضل في نبوغه وتقدّمه ما زال يرجع إلى دراسته المتقنة، وفهمه الدقيق، فَصِلتُه الوطيدة، وعلاقته المحكمة بالفقه الإسلامي وأصوله، حيث إنه هو الذي لعِب دورا أساسيا –بعد فضل من الله وتوفيقه- في اتّساع ذهنه وتفتّح قريحته وجلاء خاطره وصفاء فكره، ما مكّنه من دراسة القانون الوضعي على أحسن وجه، حتى استطاع أن يقدّم -غير مرة- في شرحه وتطبيقه على الحوادث أمثلة رائعة كانت تُدهش المحامين وتُبهر القضاة في عليا محاكم البلاد. يقول فضيلته حفظه الله في مقدمة كتابه “فقه البيوع”:
“وكنت قاضيا في القسم الشرعي في المحكمة العليا…وفي خلال عملي ذلك، كثيرا ما أحتاج إلى مناقشة ذلك القانون مع رفاقي في المحكمة الذين كانوا مؤهلين في القوانين الوضعية، وطالت تجربتهم في ذلك. ومرارا في أثناء هذه المناقشة، كنت آتي بتفسير للقانون يخالف الظاهر، وإنهم بعد سماع كلامي، يقرون ما فسّرتُه به. فقال رئيس القضاة مرّة: إن هذا الرجل ربما يُسرع في فهم القانون أكثر منا. فأجاب أحدهم بأن قد درس الحقوق بمرتبة الشرف. فأجبت قائلا: إن فهمي للقانون لا ينبثق من دراستي للحقوق، وإنما هو ناتج من دراستي للفقه الإسلامي. وكان هذا الجواب حقيقة أجزم بها حتى الآن ” (فقه البيوع، ج: 1، ص: 13)
وقد شهدتْ مدةُ ما بعد رحيل الاستعمار الغربي عن البلاد الإسلامية فجوة بين منهجي التعليم الديني الأصيل والتعليم المدني الحديث، وظهرت الحاجة إلى إيجاد حلقة علمية تجمع بين الثقافة الإسلامية العميقة ودراسة العلوم العصرية الدقيقة، فانبرى لذلك ثلة من العلماء والمفكرين الكبار، وعلى رأسهم الشيخ المفتي محمد شفيع رحمه الله، الذي خَطَا خطوات جادّة في هذا المجال، فاستنهض همة نجله الذكيّ النبيل محمد تقي العثماني حفظه الله، بعد ما نهل من دراسة العلوم الإسلامية، للدخول في مضمار الدراسات الحديثة. وبالرغم من كثرة أنواع الدراسات الحديثة، اختار له دراسة الاقتصاد والسياسة والقانون؛ بحكم أن هذه العلوم لها صلة مباشرة بالفقه الإسلامي وفاقا وخلافا.
وأبلى الشيخ محمد تقي العثماني في هذا الصعيد بلاء حسنا، واستطاع بتوفيق من الله أن يتقن هذه المواد العلمية الثلاث إتقان خبير مُحنّك، ثم أكبَّ على إعمال الثقافتين إعمال النحل في عُصارة مختلف الزهور والثمار، فجاء بنتاج علمي كلُّه غذاء روحي وعلمي سائغ من مزيج عناصر مستقاة من العلوم الإسلامية الأصيلة، وتتجلى هذه المزية في خدماته الفقهية التي قدّمها –ولا يزال- في مجالات شتّى.

2. سيرته العلمية:
وعند ما نتوجه إلى ما قدّمه من أعمال وخدمات قيّمة نرى أن حياته كلها تدور حول العلم الديني وخدمته، تعليماً، وتدريساً، وتأليفاً، ودعوةً إلى الله. وأبرزُ خدماته هي التدريس والتصدي للإفتاء والتأليف، وجهوده في أسلمة القوانين والاقتصاد في باكستان وخارجها، وتقديم بحوث فقهية قيّمة في دوائر محلية ودولية، والدعوة والإرشاد، والصحافة، والرحلات الدعوية والعلمية، وسنقف عند كل واحد من هذه العناوين وقفة قصيرة.
1. في مجال التَّدريس: فُوِّض إليه تدريسُ المواد العلمية المتنوِّعة عقب تخرُّجه في دار العلوم، فخطا في هذا المجال خُطىً واثقةً وكان مدرِّساً تربويّاً ناجحاً، إلى أن وصل إلى الذّروة، وما زال يدِّرس العلوم الحديثية والفقهية في درجتي العالمية (الماجستير) والتَّخصُّص في الفتوى (الدكتوراه) في جامعة دار العلوم.
ودروسه ومحاضراته تتدفق بالعلم الغزير السيّال. وخير ما يُمثل ذلك مجموعة محاضراته العلمية التي ألقاها خلال تدريسه لصحيح البخاري، والتي قد طُبعت باللغة الأردية في سبعة مجلدات ضخام باسم “إنعام الباري”، كما طبعت مجموعة محاضراته لجامع الترمذي في ثلاث مجلدات ضخمة، وهي كذلك في اللغة الأردية.
ولم يقتصر نشاطه في التَّدريس على الجامعة، بل امتدَّ إلى خارجها، فعقد – لإفادة العلماء والمفتين في مجال التخصُّص- دوراتٍ تعليمية متعدِّدة في مجال الاقتصاد والسِّياسة والقانون؛ ولقد طُبعت مجموعة محاضراته لدورة الاقتصاد باسم “التجارة والاقتصاد المعاصر في ضوء الإسلام” كما طبعت محاضراته لدورة السياسة باسم “الإسلام والنظريات السياسية”. وإضافة إلى ذلك لقد قدَّم محاضراتٍ علميةً في عدة جامعات أمريكية وأوربية، أبرزها ما قدّمها سنة 1418هـ في جامعة هارفارد الأمريكية في موضوع التشريع الإسلامي. وشهد على نبوغه وبراعته المثقَّفون المشاركون في هذه المحاضرات المسلمون منهم وغير المسلمين.
2. في مجال الإفتاء: بدأ الشيخ التَّمرس على كتابة الفتوى في زمن طلبه للعلم تحت إشراف والده الشيخ المفتي محمد شفيع رحمه الله، وأستاذه الشيخ المفتي ولي حسن رحمه الله. ونال الثَّناء من جميع أساتذته ومشايخه وغيرهم من كبار أهل العلم . وازداد اشتغالُه بالفتوى بعد تخرُّجه، ووُفِّق في إصدار آلاف الفتاوى التي تتميَّز بقوَّة الحجَّة والبرهان، ودقَّة النَّظر وعمق الدِّراسة، وحسن التَّنظيم والصِّياغة وسلاسة الأسلوب، وما زال إلى اليوم يُشرف على قسم الفتوى في دار الإفتاء، فلا تُصدر فتوى ذات أهمية ودِقّة إلا بتوقيعه. ولقد طبعت مجموعة فتاواه التي حبرها بقلمه في ثلاث مجلدات باسم “فتاوى عثماني” بعد تحقيقها وتخريجها من المصادر الفقهية.
3. في مجال التأليف: أما التَّأليف؛ فهو موطن الجمال والجلال والجاذبية في حياته العلمية، وهو الموطن الذي جمع بين جدِّيَّة الفقيه القاضي المتبصِّر، وحكمة الدَّاعية المخلص الخبير بمواطن الدَّعوة وأساليبها، والتَّحليل الموضوعي للصَّحفي الخبير النَّاقد النَّاصح لدينه وأمته، كلُّ هذا بالإضافة إلى جمال الذَّوق الأدبي الذي يأخذ بمجامع القلوب ويعطِّر العقول والأرواح. وقد بدأ الشَّيخ التَّأليف وهو في مَيْعة الشَّباب، مذ كان طالباً في المدرسة، ورزقه الله نفَساً طويلاً في هذا المجال، وزاده الله في ذلك على مرِّ الأيام.
4. جهوده في أسلمة القوانين في باكستان: أدَّت جماعة العلماء المخلصين في باكستان جهوداً مشكورةً في إرشاد الحكومات إلى وضع قوانين توافق الشَّريعة الإسلامية، وللشيخ القاضي محمَّد تقيّ حظٌّ وافرٌ في هذه الجهود، مع أنَّه لم يكن منتمياً إلى أيِّ حزبٍ سياسيٍّ، فوفَّقه الله إلى أن يقوم بجهودٍ واسعة التأثير والمدى، بعيداً عن ضوضاء السِّياسة وهتافاتها. وأبرز المجالات التي عمل فيها هي:
(ألف) الدَّعوة المخلصة الحكيمة إلى الجهات المعنيَّة بتدوين القوانين، وتوجيه دعوات ملحَّة إلى المجالس الدستورية لوضع المبادئ الدستورية والقانونية وَفق الشَّريعة الإسلامية، وقد رسم خطوطاً عريضةً للدستور مقتبسةً من كتاب الله تعالى في خمسَ عشرةَ نكتةً، وكانت هذه بمنزلة المصدر الأساسي لتحديد أهداف الدُّستور، وتوجيهه الوجهةَ الصَّحيحة عند وضع مواده وبنوده المفصَّلة، ثم تابع كلَّ مرحلةٍ مرَّت بها مسودةُ الدُّستور الجديد، واقفاً عند كل منها وقفة متأملٍ خبير، ليجرِّد قلمه ناقداً إن رأى العملية الدُّستورية قد حادت عن جادَّتها.
(ب) مشاركته في أعمال مجلس الفكر الإسلامي، منذ أن اختاره الرئيسُ ضياء الحق أحدَ أعضاء هذا المجلس، فشارك مع زملائه في خدمة تحويل القوانين في البلاد إلى الإسلام، لا سيَّما أن رغبة الرئيس كانت تتماشى مع مطالبهم، واستمرَّ في عمله في المجلس منذ عام 1977م حتى عام 1981م. وقد وضع المجلس في هذه المدَّة تقارير هامَّة، منها ما وُضع في قيد التَّطبيق بعد موافقة الحكومة، ومن بينها نظام الحدود والقصاص، حيث وضع المجلس في هذا الصدد أربعة مراسيم: المرسوم التشريعي لحدّ الزنا، والمرسوم التشريعي لحدَّي السرقة والحرابة، والمرسوم التشريعي لحدِّ القذف. كما وضع المجلس مرسوما خاصا في القصاص والدية، ووضع مبادئ هامة لنظام الصلاة والزكاة وإرشاد العمَّال والموظفين الحكوميين، وإرشادات مبدئية لإصلاح الاقتصاد الوطني، والنظام التعليمي والبنية الاجتماعية والإعلامية. وإن هذه المراسيم قد نُفِّذت في البلاد، وإنها في أساسها مصوغة بقلم الشيخ حفظه الله.
(ج) من إطار القضاء، فقد وفقه الله تعالى لدخول مجال القضاء العالي، ليقوم بخدماتٍ جليلةٍ أقوى وأبعد أثراً في سبيل تطبيق الشَّريعة الإسلامية، فقد كان أولَ المطالبين بإنشاء مجلسٍ خاصٍّ في المحكمة العليا يُمنح سلطة كاملة لتعديل أي قانون مضادّ للشَّريعة الإسلامية، ووجد هذا الصَّوت آذاناً مصغيةً في الأوساط الحكومية، فأصدر رئيس الجمهورية مرسوماً بإنشاء (محكمة شرعية مركزية) فوَّض إليها مسؤولية مراجعة القوانين، ومراجعة قرارات المحاكم الجنائية، ومنحها سلطات محاكمة ومعاقبة الجناة شأن أية محكمةٍ إقليميةٍ عليا. وقد شغل الشَّيخ محمَّد تقيّ منصب القضاء في المحكمة الشرعية المركزية سنة 1982م بناء على رغبة رئيس الجمهورية، وبعد مدة حوَّلته الحكومة إلى مجلس النَّقض والتَّمييز بالقضاء الأعلى، ولم يزل عضواً من أعضائه حتى عام ۲٠٠۲م. وخلال هذه المدة وفّقه الله توفيقا حسنا فاستطاع أن يسجِّل قرارات قضائية وشرعية هامّة، معظمها قد أصدرتها المحكمة العليا باتفاق آراء جميع القضاة بالمجلس أوبأغلبية آرائهم. وإلى القراء عناوين بعض هذه القرارات:
(ألف) رَجْمُ الزاني المحصن: وهذا قرار طويل جاء في أكثر من تسعين (90) صفحة، تناول فيه قضية رجم الزاني المحصن، أثبت فيه أن رجم الزاني المحصن حدّ شرعي ثابت بالحجج الشرعية ثبوتا قطعيا لا تتطرق إليه أية شبهة ناشئة عن دليل.
(ب) الصورة الفوتوغرافية: وهذا القرار يمتدّ على (50) صفحة، تناول فيه موضوع الصورة الفوتوغرافية في ضوء السنة النبوية –على صاحبها الصلاة والسلام- والمذاهب الفقهية، ووصل إلى نتيجة أن التصوير الفوتوغرافي داخل تحت النهي الوارد عن التصوير في الأحاديث الشريفة، إلا أن تكون هناك حالة استثنائية من ضرورة أوحاجة شديدة، فيترخص لذلك في شأن التصوير المذكور.
(ج) قانون العقد: إن “قانون العقد” (Contract law) من القانون المدني الإنكليزي الذي أصدره الإنكليز المستعمر في الهند عام 1872م. وظل سائدا في البلاد حتى بعد الاستقلال، مع أنه يحتوي على كثير من العقود غير المباحة من وجهة النظر الشرعية. ولقد استؤنف القرار أمام مجلس النقض والتمييز بالمحكمة العليا، فأصدر المجلس قراره الذي تولى تحريره فضيلة المترجم له حفظه الله. وإن هذا القرار خير أنموذج للمقارنة بين الشريعة الإسلامية والقوانين الأجنبية.
(د) حول القصاص والدية: وفي هذا القرار درس بعض القوانين الجنائية التي تحتوي عليها مجموعة القوانين الجنائية (Penal code) الرائجة في البلاد. وتناول القرار جريمة القتل بمختلف أنواعه، وما يترتب عليها من عقوبة أوضمان مالي.
(ه) إلغاء قوانين الشفعة: قرار كتبه القاضي المترجم له حفظه الله في (84) صفحة حول العديد من القوانين الوضعية التي كانت مخالفة لأحكام الشريعة بشأن الشفعة في العقارات.
(و) تحديد ملكية العقار: تصدى فيه لبيان موقف الإسلام من ملكية العقار الفردية، وتحديد هذه الملكية بحدّ، ومدى سلطات الحكومة بشأن تحديدها، وبشأن نزعها من مُلّاكها دون رضاهم. وألحق بالقرار ملحقين آخرين: أجاب أحدهما عن الشبهات المثارة حول الملكية الفردية للأراضي، وفي الآخر بحث عن المزارعة وما يتعلق بها من الأحكام الشرعية.
(7) تقادم اليد الغاصبة وحق الملكية: تحدث فيه عن مادة (28) من القانون الإنكليزي (limitation Law) أي تحديد المرافعات، والذي يعترف بملكية الغاصب إذا مرّت على غصبه اثنتا عشرة سنة. ووصل إلى نتيجة أن ملك المغصوب منه لا يزول عن المغصوب بمجرد مرور هذه المدة، ومن هذا فلو رفضت المحكمة سماع القضية، فللمغصوب منه أن يسترد حقه من الغاصب بطريق كالتحكيم مثلا.
(8) الجوائز الحكومية بالقرعة: هذا القرار يتحدث عن مادة للقوانين الجنائية، التي تستثني الجوائز المبنية على القمار الصادرة من الحكومة المركزية أوالإقليمية من كونها قمارا أوجناية يعاقب عليها. فاعتبر القرار هذه المادة مصادمة للكتاب والسنة وأمر الحكومة ببعض التعديلات في المادة.
(9) في الربا: لقد كتب فضيلة القاضي المترجم له حفظه الله جانبا مهما من القرار الذي أصدرته محكمة النقض بشأن قضية الربا. وهذا الجزء دراسة تأريخية تحليلية للربا وآثاره السيئة التي تواجهها البشرية من جرّاء تعاطي المعاملات الربوية، وقد ألقى فيها الضوء على تاريخ الربا وأنه كان موجودا بصُور وأشكاله المتنوعة لدى العرب قبل الإسلام أيضا. والقرار كان في (250) باللغة الإنجليزية.
هذا وهناك قرارات عديدة أخرى، وقد طبعت مجموعها باللغة الأردية في مجلدين باسم “عدالتي فيصلے” (القرارات القضائية)، وبعض عناوين القرارات –إضافة إلى المذكور أعلاه- كالتالي:
• قرار حول الزكاة والعشر
• حول قوانين الإيجار بإقليم سرحد
• حول التأمين
• حول بعض أحكام الإرث
• حول بعض قوانين الإثبات
• حول الحظر الحكومي لقسمة الأراضي
5. استغلال العلاقات الشَّخصية مع وُلاة الأمر في سبيل تطبيق الشَّريعة، فقد أتيح للشَّيخ أن يعيش بمقربةٍ من بعض ولاة الأمر البارزين، وعلى رأسهم الرَّئيس محمد ضياء الحق، فكانت بينهما علاقةٌ وطيدة، وكان الرئيس كثيراً ما يراجع القاضي فيما يستجدُّ من قضايا، وخصوصاً فيما يتَّصل بالأمور الشَّرعية، فكان الشَّيخ يرفع إليه آراءه في الاجتماعات العامَّة للمجلس وفي المقابلات الاجتماعية ولكن قلّما يزوره في خلوته. ومما يلفت النَّظر أن الشَّيخ حفظه الله ضرب المثل للدَّاعية المخلص، فلم يستغلَّ هذه العلاقة الودِّية مع الرئيس لمصالحه الشخصية أو مصالح ذويه. يقول فضيلته حفطه الله في مقاله الذي كتبه على إثر وفاة الرئيس: “قابلت الرئيس (يعني الجنرال ضياء الحق رحمه الله) في صحبة مستشار مجلس الفكر الإسلامي والأعضاء الآخرين مرارا. كما قد شاركت في اجتماعات عديدة في حضور الرئيس، وفي هذه الاجتماعات أعرب الرئيس عن رغبته في أن أزوره في الخلوة متى أتيحت لي الفرصة، وأرفع إليه من القضايا ما أراه مناسبا. ولكني طوال هذه المدة فضّلت أن لا أزور الرئيس إلا في الاجتماعات العامّة للمجلس، وأن أرفع إليه آرائي في هذه المقابلات الاجتماعية، ولم أحاول أن أزوره في الخلوة… وفي هذه المدة دعاني الرئيس أن أزوره، ومنحني رقم هاتفه، وقد زُرته فيما بعد زيارات عديدة. ولكن آليت على نفسي أن لا أرفع إلى الرئيس في الهاتف ولا في الزيارة قضية تتصل بشخصي أوبأقربائي أوبأصدقائي، وإنني أشكر الله على توفيقه، فإنني لم أزل ثابتا على ما التزمت طوال إحدى عشرة سنة”.
6. جهوده في تحويل الاقتصاد للإسلام: كان للقاضي محمَّد تقيّ دورٌ بارزٌ مضيء في مجال تحويل الاقتصاد للإسلام، وتسيير المعاملات التجارية وفق الشَّريعة الإسلامية، وشملت نشاطاته الصَّعيدَين النَّظري والعملي؛ فإلى جانب دراساته النَّظرية في القانون والاقتصاد، كان يبذل جهوداً متواصلةً على النِّطاقين المحلي والدولي لوضع نظامٍ اقتصادي مؤسَّس على المبادئ الإسلامية، يساعد المسلمين في تسيير معاملاتهم وفق الأحكام الشَّرعية، ويكون وسيلةً للقضاء على النِّظام الرِّبوي. وقد نجح في وضع نظامٍ اقتصاديٍّ متكاملٍ للكثير من الإدارات التَّمويلية والمصرفية في عدة دول، كما قدَّم خدماته في هيئات الرقابة الشَّرعية لأكثر من عشر مؤسَّسات مالية، رئيساً وعضواً، (وستأتي تفاصيلها ضمن المناصب التي تولّاها)
7. جهوده في الدَّعوة والإرشاد: يعطي الشَّيخ حفظه الله قسطاً وافراً من أوقاته للعناية بأمر الدَّعوة والإرشاد عنايتَه بأي واجب ديني آخر، ويتجلَّى ذلك في نشاطاته الدَّعوية واسعة النِّطاق، التي يعدُّ من أبرز جوانبها ما يلي:
الوعظ: فقد رزقه الله حظاً وافراً من حسن البيان، وله برنامج أسبوعي للوعظ والإرشاد بمدينة كراتشي، يشترك فيه عددٌ كبيرٌ من النَّاس، وتدور دروس الشَّيخ فيه حول الأحكام الشَّرعية العامَّة، وما يتعلَّق بها من عقيدةٍ وعبادةٍ ومعاملاتٍ وأخلاق. بالإضافة إلى أسفاره الدَّعوية، فكثيراً ما يسافر من بلدٍ إلى بلد؛ لرغبة المسلمين في مواعظه، ومطالبتهم بحضوره إليهم.
الإرشاد والتربية: فهو لم يمتنع عن إرشاد النَّاس وتربيتهم على طريقة ومنهج الإمام أشرف علي التهاوني الذي تلقَّاه عن مشايخه، وهناك طائفةٌ غير قليلةٍ من أهل العلم وغيرهم تستفيد منه على الدوام. ودعوته في هذا الجانب وإن كانت حلقتها ضيِّقةً، فروحها أعمق وآثارها أبعد.
جهوده في الصّحافة: الصِّحافة هي أفسح ميادين جهاد الشَّيخ في سبيل الدَّعوة إلى الحق، ونشر الكلمة الصَّادقة، وبثِّ الوعي بين الناس، وقد قدَّم خلال ثلاثين عاماً -كمّاً وكيفاً- عملاً لا يُتاح القيام به إلا لمن فرَّغ نفسه لأجله، وضحَّى له بجُلِّ أوقاته. وأولى محطات الشَّيخ في ساحة الصِّحافة كانت مجلَّة (البلاغ) الشَّهرية، التي غرس نواتها بيده سنة 1967م، وحدَّد لها أهدافاً واضحة، وحمَّلها رسالةً جليلة تؤديها، من خلال رؤيته للصِّحافة على أنها أداةٌ مؤثِّرةٌ للدَّعوة إلى الفضيلة والصِّدق والأمانة، ووسيلةٌ لملاحقة ما يدور على السَّاحة الإعلامية، من كذبٍ وتشويهٍ للثَّوابت، وتزيينٍ للباطل، وأن ذلك ينبغي أن يكونَ لابتغاء وجه الله، وخدمة الإسلام، ووحدة المسلمين، فعادت (البلاغ) شجرةً وارفة الظِّلال، يانعة الثِّمار، يأوي إلى أفيائها القرَّاء، وهم يعلمون أنَّها لم تمِلْ عن جادَّتها مذ أُنشئت، وما زالت تسعى إلى الأهداف والغايات النَّبيلة التي حدَّدها لها صاحبُها أوَّل مرَّة. وهو انطلاقاً من مبادئه التي تقيَّد بها يتناول القضايا المعاصرة داخل البلاد، وما يدور في العالم الإسلامي، وما يقع في أصقاع الكرة الأرضية، ويناقش الوقائع المستحدثة من وجهة النَّظر الفقهية مرَّة، ومن وجهات النَّظر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتَّاريخية مرَّات أخرى، ويرحِّب بكل ما يراه موافقاً لمبادئ الإسلام وروحه، وينقد ما يراه مخالفاً لذلك نقداً صريحاً مستنداً إلى الحجج والبراهين، ويبطل الباطل بشدة في لين، ويجهر بكلمة الحقِّ بشجاعة من غير تهوُّر، ويدمغ الكذب والبهتان بقولٍ فصل من غير أن يمسَّ الشخصيات بسوء. ولقد جمعت مقالاته التي نشرت في “البلاغ” فجاءت في عشرة أجزاء. وإنها تدور حول المواضيع التالية:
(ألف) قضايا العالم الإسلامي (قضية القدس، وحرب الخليج، وتجربة نهضوية تركية مثلا)
(ب) القضايا الوطنية (قضية باكستان الشرقية، الانتخابات ومسئولية الشعب فيها، إصلاح السياسة الداخلية)
(ج) مكافحة التيار التجديدي. (ومقالاته في هذا الصدد جُمعت فطبعت باسم “إسلام اور جدت پسندي” أي الإسلام وحب التجديد)
(د) التركيز على إصلاح الفرد والمجتمع.
(و) إصلاح الاقتصاد والسياسة.
(ز) إصلاح التعليم ونظامه السائد في البلاد
ويمكن أن نلخص خبرته الصحافية بما يلي:
● رئيس تحرير مجلّة البلاغ الأرديّة سابقا ومشرفها حاليّا ۱٩٦٧م حتى الآن
● رئيس تحرير مجلة “البلاغ الدولية” الإنكليزيّة سابقا ومشرفها حاليّا ۱٩٩٠م حتى الآن
● مشرف مجلّة “البلاغ” العربية ۲٠۱٠م حتى الآن
● كاتب عمود في جريدة “جنگ” أشهر جرائد باكستان، بعنوان “ذكر و فكر” ۱٩٩٤م– ۱٩٩٦م
● كتابات متنوّعة فى جرائد البلاد.
9. رحلاته: يسَّر الله للشَّيخ أن يطوف حول الكرة الأرضية غير مرَّة، وينزل بلاداً كثيرة من حين لآخر، ومعظم هذه الرّحلات تكون للمشاركة في المؤتمرات والنَّدوات المنعقدة في شتَّى المجالات العلمية والدَّعوية، وقد استغلّ الشَّيخ أسفارَه لمقاصدَ علمية ودعويَّة وللاجتماع بأهل العلم، واستفاد منها وأفاد علمياً ودعوياً، كما أنَّه شاهد عن كَثَب معظمَ بلاد العالم وما يدور فيها سياسياً واقتصادياً، وثقافياً، وأطلَّ عليها تاريخياً. وقد جاد قلمُه بتسجيل مشاهداته وانطباعاته التي تضمَّنتها رحلاتُه، وأنت إذ تقرؤها فإنَّك واجدٌ فيها شعوراً إنسانياً فيَّاضاً، وأسلوباً أدبياً متيناً، وميلاً من صاحبها إلى اقتناص الأمور الغريبة، كما تشعر أن الرَّحالة لم يمتنع من أن يمتِّع ناظرَيه بمظاهر الجمال الطبيعي، وأن يزور الأمكنة التَّاريخية، والمآثر المشتهرة، وهو لا يقف على هذه الأخيرة وقوف سائح عادي، بل يقف ليسرد عليك كل ما يتعلَّق بها من الوقائع التَّاريخية، ويحيلك على المصادر الموثوقة، فمذكّراته -كما وصفها- جملةٌ من الدِّراسات الجغرافية والتاريخية، وليست مجرَّد رحلةٍ شخصيَّة. والشَّيخ لا ينسى مع ذكر كلِّ هذه المناظر مهمَّته الأساسية وهي الدَّعوة، فيستغلُّ كل سانحةٍ لأداء هذه المَهمَّة، بل يقدِّم الدَّعوة في كثير من المواقع على البرنامج المحدّد إن رأى ما يدعو لذلك. وقد نشر مذكّرات أسفاره في (البلاغ)، ثم جمعها في ثلاثة كتب مستقلة، أحدها طُبع بعنوان (جهان ديده) أي العالم المشاهَد، والثاني باسم (دنيا مرے آگے) أی العالم بين يديَّ، والثالث باسم: (سفر در سفر) أي رحلة في رحلة.
المناصب التي تولاها: مع أن الشَّيخ حفظه الله يتجنب تولي المسؤوليات المتعلقة بالتَّنسيق، ونظم الإدارة، رغبةً عنها وحرصاً على توفير أوقاته للمشاغل العلمية، فقد أدَّت به الأوضاعُ إلى تولِّي جملة من المسؤوليَّات الجليلة والمناصب المحترمة في إدارات حكومية وغير حكومية، أذكر منها:
المناصب الحالية
● عضوعامل لمجمع الفقه الإسلامي الدّوليّ، المنبثق عن منظّمة المؤتمر الإسلاميّ، جدّۃ، المملکة العربيّة السعوديّة (وتولّى نيابة رئيس المجمع لمدة تسع سنوات)
● عضو المجمع الفقهيّ الإسلامي، التابع لرابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، المملکة العربيّة السعوديّة
● نائب رئيس جامعة دار العلوم كراتشي، جمهوريّة باكستان الإسلاميّة
● رئيس المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ، البحرين
● رئيس مركز الاقتصاد الإسلامي، جمهوريّة باكستان الإسلاميّة
● رئيس هيئة الرقابة الشرعية لمصرف أبو ظبي الإسلامي، الإمارات العربية المتحدة
● رئيس هيئة الرقابة الشرعية لميزان بنك، جمهوريّة باكستان الإسلاميّة
● عضو هيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلاميّ للتنمية، جدة، المملکة العربيّة السعوديّة
● عضو الهيئة الشرعية للمجموعة المالية “Guidance”، الولايات المتحدة الامريكية
● عضو مجلس الأمناء للجامعة الإسلاميّة العالميّة، إسلام آباد، جمهوريّة باكستان الإسلاميّة
المناصب السابقة
● عضو مجلس النقض والتمييز الشرعي فى محكمة باكستان العليا ۱٩٨۲م – ۲٠٠۲م
● قاضي المحكمة الشرعية الفيدرالية لباكستان ۱٩٨٠م -۱٩٨۲م
● عضو مجلس الإدارة لجامعة كراتشي، جمهوريّة باكستان الإسلاميّة ۱٩٨٥م – ۱٩٨٨م
● عضو لجنة المشرفين للجامعة العالميّة الإسلاميّة، إسلام آباد ۱٩٨٥م – ۱٩٨٩م
● عضو مجلس الفكر الإسلامي، جمهوريّة باكستان الإسلاميّة ۱٩٧٧م – ۱٩٨۱م
● عضو هيئة أسلمة الاقتصاد فى باكستان، جمهوريّة باكستان الإسلاميّة
● عضو مجلس معهد البحوث الإسلامية التابع لحكومة جمهوريّة باكستان الإسلامي
● عضو مؤسسة آل البيت، في عمان، المملكة الأردنية الهاشمية.
الجوائز
● نائل جائزة جلالة الملك عبد الله حفظه الله ورعاه، عاهل المملكة الهاشميّة الأردنيّة۲٠۱۱م
● نائل جائزة الأمير محمد بن راشد آل مكتوم حفظه الله ورعاه، الإمارات العربيّة المتحدة، ۲٠٠٤م
● نائل جائزة إنجاز العمر المقدمة من قبل مجلّة “Islamic Business and Finance” ۲۰۱۲م
● جائزة البنك الإسلامي للتنمية في سنة في سنة 2014م.

3. تعريف بمؤلَّفاته:
لقد استأنس فضيلة الشيخ القاضي محمد تقي العثماني القلم والقرطاس منذ نعومة أظفاره، وما إن بلغ الوعي حتى اتخذهما أداة لازمة من حياته، فأصبح القلم أحد لسانيه، والقرطاس مضمارا لإبراز أفكاره. فكتب فأكثر الكتابة، كتب في الفقه، والسياسة، والاجتماع، وكتب البحوث العلمية لدوائر المعارف والندوات، والمؤتمرات، وكتب باللغة العربية والأردية والإنكليزية. فأهدى للمكتبة الإسلامية ثروةً علميةً قيمة، تصل إلى مائة كتاب تقريبا، فيها بإذن الله نفعٌ للناس مهما اختلفت تخصُّصاتهم، وتُكسب المؤلِّف لسان صدق في الآخرين، وتكون ذخراً له يوم الدين، فجزاه الله عن المسلمين خيراً.ونذكر هنا بعض الخصائص والسمات العامة التي امتازت بها كتبه.
1. ظاهرة التواضع: إن القارئ ليجد هذه الخلة مترقرقة من خلال كتاباته ومقالاته على اختلاف محتوياتها.
2. السعة والشمول: فهو حينما يبحث في مسئلة من المسائل، أونازلة من النوازل، يستوعب الكلام فيها من جميع جوانبها بسياق الأقوال والآراء، وتصوير المسألة بصورة جليّة واضحة، وإبراز أدلتها، وبيان وجوه الاستدلال منها، ثم يتبعها بمناقشتها، ثم ينتهي به المطاف إلى اختيار القول أوالرأي الذي يدعمه الدليل السالم من المعارض، مؤيّدا له بما يُسنده من وجوه الأدلة العقلية والنقلية.
3. الانطباع بتفهّم محاسن الشريعة: إن من يقرأ مؤلفاته يلمس منها نفسا شفافة، لها بصر وعناية بمقاصد الشريعة الإسلامية ومحاسنها بما يكفي ويشفي.
4. الحيوية والمشاعر الفيّاضة: إن القارئ لكتاباته يرى أن قلمه ليس آلة تكتب وتؤلِّف، بل يراه يفيض حيويّة ويشتعل حماسة، متدفقا بعلاج أمراض المجتمع في أخلاقه، وفي سلوكه، ومنهج سياسته، وكيان تعليمه، وتكوين أفراده. فهو بهذا يربط بين العلم وبين أجزاء الحياة بقلب واعٍ، وفكر حساس، وروح تفيض حيوية ونشاطا.
5. التعرض للقضايا المعاصرة: لقد عُرف في الأوساط العلمية بأنه لا يقف عند ما وصل إليه الباحثون القدامى، مردِّدا ما خلّفوه من تراث، بل رأيناه ينطلق من تلك النقطة التي وصلوا إليها، إذن مؤلفاته ليست إعادة لما قد مضى، بل امتداد له، فهو حينما يخاطب إنسان اليوم، فيقدّم له ما يحتاج إليه اليوم في ضوء ذلك القديم الذي هو تراثنا العظيم، فجُلّ أعماله العلمية على هذه الشاكلة، وخصوصا فيما يتعلق بالاقتصاد والقانون.
6. الجاذبية في الأسلوب والبيان: من أهمّ خصائص مؤلفاته أنها تتحلى بعذوبة اللفظ، وقوّة البيان، وتبسط المعلومات بأسلوب سهل خال عن الجفاف والتعقيد، فهو كاتب يقرأ في يسر، ولا يكلّفك عنتا في تتبّع أفكاره، واستخلاص آرائه، ولا تشعر بمشقة في قراءة مقالاته؛ حيث إنه يسير في بحثه مترفِّقا واضح المعالم، لا يتكلف محسنا بديعيا، ولا سجعا يخفي فكرته ويجعل القارئ يتعب في معرفة ما يريد.
وهذه السهولة والوضوح في الكتابة هو العنصر الذي جعله كاتبا يقرأ في الأوساط العلمية والشعبية العامّة على حدّ سواء. وإن مجموع مؤلفاته تصل إلى مائة مؤلف، ما بين كتب ضخمة ذات مجلدات عديدة، وأخرى ذات حجم متوسط، ورسائل صغيرة. وفيما يلي أولا نقف وقفة يسيرة مع أهمّ مؤلفاته تعريفا وتحليلا، ثم نردفه بمسرد تفصيلي يؤضح جميع ما نمقه يراعه من إنتاج علمي في اللغات الثلاث: العربية والإنجليزية والأردية.
7. الفهم الدقيق والتصوير الصحيح للمسئلة الفقهية: فليس من دأبه أن يحكم على مسئلة فقهية بمجرد مراجعة التراث الفقهي القديم والمصادر الفقهية الأصيلة، بل يركّز أولا على معرفة صحيحة بصورة المسئلة وتفاصيلها الخارجية من خلال مراجعة المصادر حول المسئلة أولا، ولقاء الأشخاص ذوي صلة بها ثانيا، وزيارة الأماكن التي تتم فيها تلك المعاملة وتتحيّز تلك المسألة ثالثا، حتى يطمئنّ على معرفة دقيقة شاملة بالصورة المسئلة، ثمّ يأتي عليها مرة أخرى لدراستها من الناحية الشرعية والفقهية. ومن هذا فإنه لم يصدر رأيه عن البورصة حتى زارها ولقي العاملين فيها، ولم يصدر رأيه عن الذبيحة الآلية إلا بعد مشاهدة عدة أماكنها في شتّى البلدان، ولم يجزم بأمر في قضية التورق والتسوّق عبر الشبكة الدولية حتى زار أكبر المخازن في هولندا. والقارئ لكتاباته وبحوثه الفقهية يلمس فيها هذا الأمر بوضوح فيشعر أن الكاتب يتحدث عن القضية كأنه بنفسه يواجهها ويحتاج إلى التعامل معها. وعن أهمّية مسئولية الفقيه تجاه معرفة الواقع وأهاليه وما يدور فيه، يقول فضيلته حفظه الله في كتابه “أصول الإفتاء وآدابه”: “ولهذا ينبغى لمُفتى كلّ عصرٍ أن يكون عارفاً بحقيقة هذه التّعامُلات. ولذلك رُوِى عن الإمام محمّد رحمه الله تعالى أنّه كان يذهبُ إلى الصبّاغين ويسألُ عن مُعاملتِهم وما يُديرونها فيما بينهم. وما ذلك إلاّ لأن يكونَ على بصيرةٍ من التّعامُلاتِ الجاريةِ بينهم.” (ص ٣٠٤)
8. الاحتياط في حل النوازل الجديدة في ضوء الجزئيات الفقهية المنصوصة من الفقهاء: فإنه حفظه الله يحاول في النوازل الجديدة أن يحكم عليها في ضوء أقرب الجزئيات الفقهية إليه. ومن المعلوم أن هذا الأمر يتطلب جهدا كبيرا وبحثا مُضنيا، بالإضافة إلى الملكة الفقهية الراسخة والمعرفة بمظان المسائل في المراجع الفقهية القديمة. ومثلا لهذا نقول: إن قضية “المسئولية المحدودة” كانت مسألة قد أعضل الفقهاءَ حلُّها وأتعب المفتين حكمُها، ولكنه حفظه الله راجع لها مصادر الفقه الحنفي، فوجد لها نظيرا في مسائل العبد المأذون. فطبّق حكمه عليها ما أقرّه له الفقهاء الآخرون. وكذلك قضية البيع عن طريق الأجهزة التلقائية، حيث أجازه بعض الفقهاء العصريين على أساس أن العقد ينعقد فيها بطريقة إقامة الجهاز مقام الطرف الموجِب، بينما ذهب فضيلته حفظه الله كذلك إلى جوازه، ولكن ليس على هذا التكييف، بل على أساس أنه صورة من صُوَر التعاطي، والجهاز إنما يقوم مقام البائع في أخذ الثمن وتسليم البائع. ونظّر على ذلك بجزئية فقهية ذكرها البهوتي رحمه الله في شرح منتهى الإرادات قائلا: أو وضع مشتر (ثمنه) المعلوم لمثله (عادة وأخذه) أي الموضوع ثمنه (عقبه) أي عقب وضع ثمنه من غير لفظ لواحد منهما، وظاهره: ولو لم يكن المالك حاضرا للعرف.” (شرح منتهى الإرادات 2 / 7، انظر: فقه البيوع، ج: 1، ص: 76، 77) وكذلك فى مسئلة تمام هبة الدار المشغولة بمتاع الواهب إذا أودع متاعه للموهوب له، حيث ذكر العلامة الكاساني رحمه الله تعالى أن الهبة مازالت غير تامة؛ بتعليل أن يد المودَع هي يد المودِع. فراجع فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى مصادر الفقه الحنفي الأصيلة فتوصل إلى أن يد المودَع لا تعتبر يد المودِع فى جميع الأحكام. (ولتفصيل القضية فليراجع: فقه البيوع، المجلد الأول، ص: 399، 400، الفقرة: 174)
١٠. وكذلك دأب فضيلته حفظه الله تعالى على مراجعة بحوثه وفتاواه وآرائه العلمية إذا ما نبّهه عليه أحد، ثمّ يدرس القضية من جديد، فإذا ظهر له خطأ فيما توصّل إليه سابقاً، لا يستنكف أن يرجع عن رأيه السابق من فوره، ثمّ يهتمّ بإعلان هذا الرجوع عن طريق نشره فى مجلّة “البلاغ”. وله حفظه الله تعالى سلسلة من هذا القبيل بعنوان “الإصلاح والإيضاح”.
ولو كانت القضية تتعلق بشخص خاص، فيهتمّ بإخباره خاصة، ولا يقرّ له قرار حتّى يخبره بأيّ طريق ممكن. وعن مدى خطورة هذا الأمر يقول فضيلته حفظه الله تعالى فى أصول الإفتاء: “ويَجِبُ على المفتى أن يُخبر المستفتىَ عن رجوعه إن لم يَعْمَل بفتواه، وكذلك إن عمِل به ووجب النّقضُ حسب التفصيل الّذى ذكرناه. وقد أخرج الخطيب رحمه الله تعالى أنّ الحسنَ بن زياد اللؤلؤيَّ رحمه الله تعالى اُستفتى فى مسئلةٍ فأخطأ، فلم يَعْرِف الّذى أفتاه، فاكترى مُنادياً يُنادى أنّ الحسن بن زيادٍ استُفتِى يومَ كذا وكذا فى مسئلةٍ فأخطأ، فمن كان أفتاه الحسنُ بن زيادٍ بشيئٍ فليرْجِع إليه. فمكث أيّاماً لايُفتى، حتىّ وجد صاحبَ الفتوى، فأعلمه أنّه قد أخطأ، وأنّ الصّواب كذا وكذا.” (ص٢٩٩)
وحدثت لفضيلته حفظه الله تعالى مثل هذه القضية أنه سأله شخص عن مسئلة فى الطلاق، فأخبره بما بدا له فى ذلك الحين، ثم تفكّر فى الموضوع، فرأى أن الحكم الّذى أخبر به السائل غير صحيح، ربما لأنه فاته الإخبار عن قيد مُهِمّ، فهمّه إخبار السائل عن هذا الحكم الجديد، فسلك كل مسلك لإخباره بهذا الأمر، إلى حدّ أنّه أعلن فى المسجد الجامع مرّة حتّى توصّل فى الأخير إلى السائل فأخبره بما بدا له.
تعريف موجز بأهمّ مؤلفاته:
1. تكملة فتح الملهم: هذا الكتاب هو قمة مؤلفاته، لا لضخامته فقط، بل لأجل أنه أشمل كتاب يعبّر عن ثقافة المؤلف أيضا، ففيه الفقه، والقضاء، والسياسة، والاجتماع بجانب الحديث وعلومه رواية ودراية.
وهذا الكتاب-كما هو الظاهر من اسمه- تكملة لشح صحيح مسلم، الذي بدأ تأليفه الشيخ العلامة شبير أحمد العثماني رحمه الله، أحد أعلام علماء الهند. وأما عن ميزاته فنذكر مقتطفا مما كتبه الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله كتقدمة للكتاب. قال حفطه الله:”وقد لمست فيه (يعني الشيخ محمد تقي العثماني حفظه الله) عقلية الفقيه المطّلع على المصادر، المتمكن من النظر والاستنباط، القادر على الاختيار والترجيح، والواعي لما يدور حوله من أفكار ومشكلات، أنتجها هذا العصر…الحريص على أن تسود شريعة الإسلام وتحكم في ديار المسلمين. ولا ريب أن هذه الخصائص تجلّت في شرحه لصحيح مسلم، أوبعبارة أخرى في تكلمته لفتح الملهم. فقد وجدت في هذا الشرح حسّ المحدِّث، وملكة الفقيه، وعقلية المعلم، وأناة القاضي، ورؤية العالم المعاصر، جنبا إلى جنب. إن الكتاب حافل بالعلم، ثريّ بالتحقيق، يلمس فيه قارئه جهدا صادقا مُضنيا، بذله صاحبه، غير ضنين به، ولا متثاقل عنه، كل ذلك بأسلوب بيّن، وبعيد عن الألغاز والتعقيد.”
2. فقه البيوع على المذاهب الأربعة مع تطبيقاته المعاصرة مقارنا بالقوانين الوضعية: إن هذا الكتاب هو السفر العظيم الذي بذل فيه القاضي المفتي محمد تقي العثماني حفظه الله من عمره ووقته عشرين سنة تقريبا، ولو لم يكن له غير هذا الكتاب لكفاه مفخرة ومأثرة. أما أسلوبه في تأليف هذا الكتاب فنذكر شيئا مما قاله حفظه الله في مقدمة الكتاب. ومما جاء فيها:
“ولكن ما نحتاج إليه اليوم أن يُدَوَّن الفقه الأصيل، وبخاصة فقه المعاملات التجارية والمالية، ممزوجا بالمسائل المتولّدة من الظروف والأوضاع المعاصرة، ليتبين أن الفقه يتوجه إلى القرن الخامس عشر كما كان يتعلق بالقرون الأولى. وكل ذلك بأسلوب يلائم مذاق العصر، ويسهل للدارسين تناوله.
فشرعت بتوفيق الله سبحانه وتعالى في هذا التأليف، وحاولت بقدر وسعي أن يفي هذا الكتاب بهذه الحاجة، ويجمع أمهات مسائل المذاهب الأربعة من كتاب البيوع ممزوجة بالمسائل التي أحدثها العصر الجديد، بحيث يصير كتابا أصيلا في موضوعه، وعصريا في أمثلته وتطبيقاته وأسلوب ترتيبه… والتزمت فيه المنهج الآتي:
1. أردت أن يكون الكتاب جامعا للمسائل الأساسية للبيوع على المذاهب الأربعة، والمقصود من ذكرها أولا ليكون الكتاب معينا لأتباع كل مذهب بالقدر المستطاع. وثانيا أن تظهر الشريعة البيضاء بوجوهها المحتملة…
2. كذلك حاولت في كثير من المواضع أن أقارن بين الفقه الإسلامي وبين القوانين الوضعية الإنكليزية، وقد ذكرت في بعض المواضع قوانين فرنسية، أوسويسرية أيضا. والمقصود بهذه المقارنة أولا هو تحذير المسلمين عند تطبيقهم القانون المدني السائد من أن يقعوا فيما يخالف الشريعة الإسلامية. وثانيا أن يتضح الفرق بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الرأسمالي، وتتبيّن الحكمة الإلهية في التشريع الإسلامي.
3. حاولت عند الكلام في كل باب أن آتي فيه بالمسائل المعاصرة المتعلقة به، وفصلت الكلام فيها، وذكرت جميع الاحتمالات الواردة في تكييفها الفقهيّ، وقد ذكرت في مثل هذه المسألة آراء الفقهاء المعاصرين حيثما وجدتها، وذكرت ما انتهى إليه فكري في ذلك.
4. راعيت أن يكون ترتيبه ترتيبا منطقيا يسهل به الوصول إلى المطلوب من المسائل، فشرعت ببيان حقيقة البيع، ثم ببيان أركانه، وطرق انعقاده…
5. حاولت أن تكون العبارة سهلة خالية عن الإيجاز المُخِلّ أوالإطناب المُمِلّ. ولهذا الغرض، لخصت الأبحاث الفقهية من المصادر بما يسهل فهمه، ومع ذلك أوردت كثيرا من المسائل بنصّ المنقول منه، لخدمة أهل العلم.
6. اقترحت في آخر الكتاب صيغة لقانون البيع الإسلامي، ليمكن الاستمداد منه لكل دولة وفّقها الله تعالى لتطبيق الشريعة الإسلامية في البيوع.”
3. بحوث في قضايا فقهية معاصرة: وهذا الكتاب أصلا مجموع بحوثه الفقهية في اللغة العربية التي قدّمها في مؤتمرات فقهية، أوأجاب بها على أسئلة واردة من جهات مختلفة، وإشارة إلى هذا قال حفظه الله في مقدّمة هذه المجموعة التي طبعت في مجلدين: “وإني كأدنى دارس للفقه الإسلامي، لم أزل أكتب على مسائل فقهية في اللغات العربية والأردية والإنكليزية منذ أكثر من ثلاثين عاما حتى اجتمعت لديّ مجموعة من بحوث فقهية معاصرة في كل من هذه اللغات الثلاث… فابتدأت بعون الله بهذه المجموعة التي تضمّ البحوث الفقهية التي كتبتها باللغة العربية، ومعظمها قد عُرضت على ندوات أومؤتمرات فقهية عالمية في بلاد مختلفة من الوطن الإسلامي.”
ومحتويات هذه المجموعة العربية ما يأتي:
أحكام البيع بالتقسيط.
أحكام البيع بالتعاطي والاستجرار.
بيع الحقوق المجرّدة.
عقود المستقبليات في السلع.
أحكام الأوراق النقدية.
مسألة ربط الأجور بقائمة الأسعار.
أجوبة عن استفسارات البنك الإسلامي للتنمية بجدّة.
سندات المقارضة.
الطرق المشروعة للتمويل العقاري.
زراعة عضو استؤصل في حدّ
قواعد ومسائل في حوادث المرور.
أجوبة عن استفتاء المركز الإسلامي بواشنطن.
أحكام الودائع المصرفية.
أحكام الذبائح واللحوم المستوردة.
بحث عن رؤية الهلال.
4. أصول الإفتاء وآدابه: أصل هذا الكتاب مجموعة الإفادات التي كان قد جمعها لتدريس الطلاب المتخصصين في مجال الإفتاء بجامعة دار العلوم كراتشي. ثم رتّبها وأضاف إليها بما جعله كتابا مستقلّا يجمع أهمّ قضايا الإفتاء من شروطه وآدابه، وما يجب توفّره في من يتصدّى للإفتاء، وواجبات المفتين ومسؤولياتهم، وطبقات الفقهاء وكُتُبهم ومسائلهم، وقواعد ترجيح بعض الأقوال على البعض، وغير ذلك من الأمور التي لا بدّ من معرفتها لكل من ينصب نفسه لإفتاء المسلمين في شؤونهم وحاجياتهم الدينية.
5. الإسلام والنظريات السياسية: أصل هذا الكتاب مجموعة المحاضرات التي ألقاها فضيلة الشيخ حفظه الله في تلك الدورة التعليمية التي عقدتها جامعة دار العلوم كراتشي للعلماء والمفتين وغيرهم من العاملين في الحقل الديني بباكستان. ولقد جاء الكتاب في جزأين: خصّص أحدهما للتعريف بالسياسة والمراحل التي مرّت بها عبر العصور البشرية، والنظريات السائدة في شأن “الحكم” مع دراسة أهمّ النُظُم السياسية، ولقد أشبع الكلام في موضوع الديمقراطية: نشأتها وتاريخها، وميزاتها وما يؤخذ عليها، ودراسة بعض صورها السارية التفعيل في أمريكا وإنجلترا وسويسرا وما إلى ذلك، مع تعقيب وتعليق يسيرين يحتويان على بيان موقف الإسلام منها. وخصّص الجزء الثاني لدراسة قضايا السياسة من الناحية الشرعية، فتكلّم فيها أولا عن مكانة السياسة في الإسلام، ثم عن قضية تشكيل الحكومةِ وإدارتها، ومدى سلطاتها، وطرق عزل الأمير وما إلى ذلك. والكتاب يعتبر بحق من أهمّ مؤلفات الشيخ التي يمكن- هي الأخرى- أن تلعب دورا بارزا في تنفيذ الشريعة الإسلامية وإدارة نظام الدولة على خُطى إسلامية واثقة؛ حيث تتميّز هذه الدراسة بالأصالة والمعاصرة جنبا إلى جنب.
7. فتاوى عثماني: مجموعة الفتاوى التي كتبها فضيلته حفظه الله منذ ما كان طالبا في قسم التخصص في الإفتاء بجامعة دار العلوم كراتشي، إلى زمن جمع وترتيب هذه الفتاوى. ولقد طبعت في ثلاثة مجلدات ضخمة، وهي تدور حول معظم أبواب الدين، بدء من العقائد والكلام ومرورا بالعبادات، وانتهاء بالمعاملات والوصايا والفرائض. ومعظم هذه الفتاوى باللغة الأردية، وعدد قليل منها باللغة العربية. وفتاواه تتسم بقوة الحجة والبرهان، ودِقّة النظر وعمق الدراسة، وهي منمقة في حسن التنظيم والصياغة وسلاسة الأسلوب، كل ذلك بجانب ما يتحلى به صاحبها من علم غزير، وفقه سديد. وبعض هذه الفتاوى موثّقة وموقّعة من فضيلة والده المفتي محمد شفيع رحمه الله.
8. أحكام الذبائح: وهذا بحث فقهيّ يتناول أحكام الذبائح بما فيها أحكام الذبح بالآلات الحديثة، وأبرز مزايا هذا البحث أن المؤلف لم يكتبه بمجرد مراجعة الكتب والنصوص الفقهية، بل شاهد أمكنة الذبح في مدُن عديدة في بلاد الغرب وغيرها بما فيها من أجهزة حديثة للذبيحة، ثم وصل إلى النتائج التي ذكرها في كتابه هذا.
9. ما هي النصرانية؟ قد توصل فيه بعد البحث العميق في تاريخ المسيحية وتطوّرات عقائدها إلى أن الدين الذي جاء به المسيح عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام، قد اندرس بعده بمدّة قليلة، وحلّت محلّه ديانة كانت تعاليمها على عكس أقوال سيّدنا عيسى عليه السلام وتعاليمه، وأن المسيحيّة المعاصرة ليس مؤسسها هو سيّدنا عيسى عليه السلام، وإنما هو (بولس) الذي توجد له (14) رسالة في (الكتاب المقدس).
10. علوم القرآن وأصول التفسير: وهذا الكتاب باللغة العربية في موضوع علوم القرآن، ويتناول جلّ ما يتصل بالقرآن الكريم من معنى الوحي، وتاريخ نزوله، وقراءاته، وناسخه ومنسوخه، والحفاظ عليه بدء من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، والإجابة الشافية على ما يُثار حول القرآن الكريم من شبهات زائفة، بالإضافة إلى باب يحتوي على خطوط عريضة لمحتويات ومضامين القرآن الكريم. كما تعرض لبيان مبادئ التفسير وذكر أشهر المفسرين والتعريف بتفاسيرهم. وقد تم نقله إلى العربية وطبع باسم “علوم القرآن”.
11. ضبط وتحقيق إعلاء السنن والتعليق عليه: وهذا الكتاب كما هو ظاهر من اسمه ضبط وتعليق على كتاب إعلاء السنن للعلامة ظفر أحمد العثماني رحمه الله. وهذا العمل الجليل الذي قرّظ له فأثنى عليه ثناء بالغا الشيخ العلامة عبد الفتّاح أبو غدة رحمه الله لم يكتمل بعد؛ حيث حالت دونه ودون المحقق الفاضل حفظه الله أشغال.
12. ما هو السبيل إلى تطبيق الإسلام في العصر الراهن؟ كتاب ضخم يدلّ اسمه على موضوعه الذي يعالجه، وهو مجموع المقالات الافتتاحية وغير الافتتاحية المنشورة في مجلة “البلاغ” الشهرية الأردية.
13. سيّدنا معاوية رضي الله في ضوء الحقائق التاريخية: وهو دراسة تحليلية ذات استعراض دقيق، ونقد صحيح إيجابيّ بنّاء لما أبداه الأستاذ أبو الأعلى المودودي رحمه الله في كتابه (الخلافة والملك) ولا سيّما فيما يتّصل بسيّدنا معاوية رضي الله عنه وسياسته في الحكم، ومواقفه تجاه سيّدنا عليّ رضي الله.
والكتاب نقد علميّ لآراء الأستاذ المودودي، ويرشد القارئ بحجة واضحة إلى ما وقع فيه الأستاذ المودودي من الزلل، وتقوم آراؤه على الواقع التاريخي الصحيح، وما إن يقرأ القارئ هذا الكتاب إلا ويرى أن آراء الأستاذ المودودي رحمه الله في مأزق شديد، ويعلم أنها لا تفيد الأمة الإسلامية إلا جرحا جديدا، أوتجدد جرحا قديما.
14. مكانة التقليد في ميزان الشريعة: هذا الكتاب كثير النفع غزير المادّة العلمية، وشافٍ لكل ما يدور حول التقليد من الشبهات، وكاشف عن حقيقة التقليد وإطاره المعتبر من وجهة النظر الشرعية. والكتاب يتناول الموضوع بجدّية هادفة من دون أن يتعرض للجدل السائد في البلاد. يقول حفظه الله في مقدّمة كتابه: وإنني أؤكد هنا أن الكتاب ليس كتابا في المناظرة والجدل، وإنما هو بحث علمي في مسألة التقليد، والهدف منه إبداء موقف أغلبية المسلمين الذين ما زالوا يقلدون أئمتهم المجتهدين في كل عصر ومصر، وتحديد ذلك الموقف الوسط في شأن التقليد الذي اختاره جماهير علماء أهل السنّة بعيدين عن الإفراط والتفريط، فالمرجوّ من القرّاء أن يقرؤوه كبحث علميّ جادّ، وليس ككتاب في المناظرة.
15. قضايانا العائلية: “هذا الكتاب يناقش من الناحية الشرعية تلك القوانين العائلية التي أصدرتها حكومة باكستان في عهد الراحل أيوب خان في الستّينات، ومجموعة هذه القوانين قد تضمنت أمورا قد أجمعت الأمة الإسلامية على حرمتها من لدن عهد الرسالة إلى يومنا هذا، أولم تقبلها جماهير الأمة الإسلامية..”
16. تحديد النسل في ضوء العقل والشرع: فصّل في هذه الرسالة مكانة تحديد النسل الذي تنوه به الحكومات وتشيد به من الوجهة العقلية والشرعية.
17. مكانة السنة النبوية: وهذه الرسالة باللغة الإنكليزية تجمع بين دفتيها علما غزيرا، تتضمن من العلم والتحقيق والنكات العديدة ما لم يتنبه له كثير من الباحثين في هذا الموضوع.
سلسلة أماليه الدرسية: كما مرّ بنا سابقا أن الشيخ حفظه الله منذ تخرّجه في العلوم الإسلامية لم يزل مشغولا في تدريس العلوم الدينية من الفقه والتفسير والحديث. ولقد آل به الأمر أخيرا إلى أن فوّض إليه تدريس جامع الترمذي بجامعة دار العلوم كراتشي، فدرّسه لمدة خمس وثلاثين سنة تقريبا. وكانت محاضراته التي يلقيها في الدرس مُفْعَمة علما وفقها، وكان يشبع الكلام فيما يتعلق بالحديث من المباحث الحديثية والفقهية، بالإضافة إلى بيان اختلاف الفقهاء في المسائل الفقهية وتفصيل دلائلها وترجيح الراجح منها. ولقد جُمعت مجموعة محاضراته هذه ونشرت في خمسة أجزاء. ثم كُلّف بتدريس صحيح البخاري في الجامعة نفسها، فكانت محاضراته ودروسه فيها هي الميدان الآخر لإبراز تلكم المواهب والقدرات العلمية التي يتحلّي بها فضيلته، فكان يخوض ثنايا الكتب وينقر شروح الحديث ويدرس آراء المحدثين والشراح، ثم يقوم بغربلة كل ذلك في ميزان النقل الصحيح والعقل السليم، فينتج عن كل ذلك أجلّ إنتاج عصريّ في مجال شرح الحديث في شبه القارة الهندية، يضمّ بين دفّتيه الكلام في الحديث رواية ودراية، وتراجم البخاري وتوضيح فقهه وآرائه الاجتهادية، مع مقارنتها في ضوء الفقه المقارن وفي أسلوب معتدل ورصين. ولقد فرّغت تلك المحاضرات فطبعت باسم “إنعام الباري” في سبعة أجزاء ضخمة.
سلسلة خطبه ومواعظه التربوية:
كما سبق أن أشرنا إلى أن فضيلة الشيخ حفظه الله له برنامج أسبوعي للوعظ والإرشاد، يستفيد منه عدد كبير من الناس. واستمرّ ومازال منذ أكثر من ثلاثين سنة. وأغلب دروس الشيخ حفظه الله تدور حول الأحكام الشرعية الثابتة الشاملة لجميع مجالات الحياة من عقيدة وعبادة أومعاملة ومعاشرة بين الناس، وما إلى ذلك. ولقد نشرت من هذه السلسلة ثلاثة كتب: (1) الخُطَب التربوية، في عشرين جزءا بالقطع المتوسط. (2) المواعظ التربوية: في سبعة أجزاء. (3) المجالس التربوية في سبعة أجزاء كذلك.

مسرد تفصيلي بجميع مؤلفات الشيخ المفتي محمد تقي العثماني حفظه الله في اللغات الثلاث : العربية والإنكليزية والأردية:
بالعربية:
● تكملة فتح الملهم بشرح صحيح مسلم (ستّ مجلّدات)
● فقه البيوع على المذاهب الأربعة مع تطبيقاته المعاصرة مقارنا بالقوانين الوضعية (مجلّدان)
● بحوث في قضايا فقهية معاصرة (مجلّدان)
● مقالات العثماني (مجلّدان)
● أصول الإفتاء وآدابه
● أحكام الذبائح
● نظرة عابرة حول التعليم الدينيّ فى باكستان
● التجارة والاقتصاد المعاصر في ضوء الإسلام (معرّب)
● الإسلام والنظريات السياسية (معرّب)
● ما هي النصرانية؟ (معرّب)
● الأزمة المالية العالمية وحلها في ضوء الإسلام

بالانكليزية:
The Meanings of the Noble Quran
An Introduction To Islamic Finance
Contemporary Fatawa
Discourses on The Islamic Way of Life
Do Not Despise The Sinners
Islam & Modernism
Islamic Months
Legal Rulings on Slaughtered Animals
Perform Salah Correctly
Qadianism on Trial
Quranic Sciences
Radiant Prayers
Sayings of Muhammad
Spiritual Discourses
The Authority of Sunnah
The Historic Judgment on Interest
The Language of the Friday Khutbah
The Legal Status of Following a Madhab
The Rules of Etikaf
What Is Christianity?
Present Financial Crisis: Causes and Remedies from Islamic Perspective
بالأردية:
آسان ترجمہ قرآن (3 أجزاء، ترجمة القرآن الكريم باللغة الأردية مع شرح وتوضيح يسيرين )
علوم القرآن
درس ترمذی کامل ( ۳ مجلدات) (أماليه على جامع الترمذي أبواب العبادات إلى البيوع)
تقریر ترمذی کامل (مجلدان) (أماليه على أبواب المعاملات من جامع الترمذي )
انعام الباری کامل ( ٧ مجلّدات)(مجموعة دروسه ومحاضراته التي ألقاها في درس صحيح البخاري ، من البدء إلى كتاب المغازي)
حجیت حدیث (حجيّة السنة النبوية ومكانتها في التشريع الإسلامي)
بائبل سے قرآن تک کامل (۳ مجلدات) (شرح لكتاب إظهار الحق للشيخ رحمة الله الكيرانوي، في ردّ المسيحية وإثبات التحريف في الأناجيل الموجودة)
بائبل کیا ہے ؟ (ما هو “الإنجيل”)
اپنے گھروں کو بچائیے۔ (احفظوا بيوتكم من الخلافات العائلية)
احکام اعتکاف (موجز في فقه الاعتكاف)
اسلام اور سیاست حاضرہ (بين الإسلام والسياسة الحديثة)
اسلام اور سیاسی نظریات (الإسلام والنظريات السياسية)
اسلام اورجدت پسندی (الإسلام وحبّ التجديد)
اسلام وجدید معیشت وتجارت (التجارة والاقتصاد المعاصر في ضوء الإسلام)
اصلاح معاشرہ (إصلاح المجتمع)
اصلاحی خطبات کامل(۱٨ مجلدات) (الخطب التربوية)
اصلاحی مجالس کامل (٧ مجلدات) (المجالس التربوية)
اصلاحی مواعظ کامل(۳ مجلدات) (المواعظ التربوية)
اکابر دیوبند کیا تھے ؟ (قصص رائعة عن كبار علماء ديوبند، تعبّر عن عنايتهم باتباع السنة، والتواضع، والعبادة وما إلى ذلك)
البانیہ میں چند روز (أيّام في ألبانيا)
البلاغ عارفی نمبرؒ (عدد خاص من مجلة البلاغ الشهرية، عن حياة الشيخ عبد الحي العارفي رحمه الله وصنائعه ومنهجه في التربية والتزكية)
اندلس میں چند روز(سفر نامہ) (أيّام في الأندلس)
آسان نیکیاں (الحسنات اليسيرة)
پرنور دعائیں (الدعوات النَّيِّرة)
تبصرے (آراؤه ودراسته عن بعض الكتب)
تذکرے
تراشے (مُلَح ونوادر )
تقلید کی شرعی حیثیت (مكانة التقليد في الشريعة الإسلامية)
جہان دیدہ(العالَم المُشاهَد، رحلته لبعض المُدن)
حدود آرڈیننس ایک علمی جائزہ (نظرة على قانون الحدود الذي أصدرته الحكومة الباكستانية)
حضرت معاویہؓ اور تاریخی حقائق(سيدنا معاوية في ضوء الحقائق التاريخية)
حضورﷺ نے فرمایا (“قال النبي صلى الله عليه وسلم” الأحاديث المنتخبة)
حکیم الامت کے سیاسی افکار (آراء الشيخ التانوي السياسية)
دنیا مرے آگے(العالِم بين يديّ (رحلة))
دینی مدارس کا نصاب ونظام (منهج المدارس الدينية ونظامها)
ذکرو فکر (مجموعة الأعمدة التي كتبها لجريدة “جنگ” الأردية اليومية)
سود پرتاریخی فیصلہ (القرار التاريخي حول الربا والذي أصدرته محكمة النقض الشرعية )
ضبط ولادت (تحديد النسل)
عدالتی فیصلے کامل (مجموعة القرارات التي كتبها فأصدرها خلال عمله كقاض في محكمة النقض في المحكمة المركزية)
عیسائیت کیا ہے ؟(ما هي النصرانية؟)
غیر سودی بینکاری فقہی مسائل کی تحقیق اور اشکالات کا جائزہ (المصرفية اللاربوية: تحقيق قضاياها الفقهية ودراسة الإشكاليات الواردة عليها)
فتاوی عثمانی (مجموعة الفتاوى التي كتبها ، 3 مجلدات ضخمة تتناول أهم القضايا النازلة في معظم أبواب الفقه)
فرد کی اصلاح(إصلاح الفرد أساس إصلاح العالم)
فقہی مقالات کامل(٥ مجلدات) (مجموعة البحوث الفقهية التي كتبها باللغة الأردية، أوالتي ترجمت إلى الأردية من العربية أوالإنكليزية)
قادیانی فتنہ اورملت اسلامیہ کا موقف (موقف الأمة الإسلامية من القاديانية)
قتل اور خانہ جنگی کے بارے میں آنحضرت ﷺ کے ارشادات (الأحاديث الواردة بشأن الحرب الأهلية واقتتال المسلمين فيما بينهم)
مآثر حضرت عارفی ؒ (مآثر وصنائع الشيخ العارفي رحمه الله، كتيّب تحدث فيه عن مزايا المنهج العارفي في التربية وأم ركائزه في الإصلاح)
مقدمہ معارف القرآن (مقدمة تفسير معارف القرآن لسماحة والده الشيخ المفتي محمد شفيع رحمه الله)
ملکیت زمین اور اس کی تحدید (الملكية الفردية للأراضي ومدى سلطة الحكومة في تحديدها)
موجودہ پرآشوب دور میں علماء کی ذمہ داریاں (مسئوليات العلماء في الظروف الراهنة الحالكة)
موجودہ حالات اور ھماری ذمہ داری (مسئولياتنا في الأوضاع الراهنة)
میرے والد -میرے شیخ (نبذة عن والده رحمه الله ودوره في إصلاح نجله وتربيته وتعليمه وتفقيهه)
نشری تقریریں (خطب وأحاديث نشرها عبر الإذاعة الوطنية)
نفاذ شریعت اور اس کے مسائل (قضايا تنفيذ الشريعة ومشاكلها في العصر الحاضر)
نقوشِ رفتگاں (آثار الراحلين، مجموعة مقالاته التي نشرها في “البلاغ” على إثر وفيات الشخصية الكبيرة التي عاصرها وعايشها)
نمازیں سنت کے مطابق پڑھئے (صلّوا كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، رسالة وجيزة تتحدث عن كيفية أداء الصلوات وفق ما ورد في السنة النبوية، وتعالج الأخطاء التي يقع العامة في هيئة الصلوات وأدائها)
ہمارا معاشی نظام (نظامنا الاقتصادي)
ہماراتعلیمی نظام(نظامنا التعليمي)
ہمارے عائلی مسائل (قضايانا لعائلية)
هذا آخر ما أوردناه في هذه العجالة، وبالله التوفيق ومنه الاستعانة، وصلى الله تعالى وسلّم على خير خلقه محمد وعلى أصحابه أجمعين.