كلمة فى الجلسة الختاميّة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى آله وأصحابه أجمعين وعلى كل من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد، فسيّد الرئيس، والحضور الأفاضل، والإخوة والأخوات،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الواقع أنّ بعد الشكر لمن نظّم هذه الندوة، وبخاصّة أستاذنا الدّكتور على أوزك حفظه الله تعالى، فإني أرى أن هذه النّدوة، الحمد لله، كانت ناجحة من حيث بعض الأنحاء، وإنّى، شخصيّا، قد استفدتُ ببعض البحوث الّتى قُدّمت، وبعض النّقاشات الّتى جرت فى هذه الجلسات، الّتى ندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفّقها لكلّ خير.
وفى هذا الوقت المختصر الّذى أُعطِي لى، وهو رُبع ساعة، فإنّى أريد أن أذكر بعض النقاط بسُرعةٍ ممكنةٍ، لعلّ الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها جميعا.
الواقع أنّ البحوث الّتى قدّمت كانت بمجملها مفيدةً، وإنى استفدتُ ببعضها استفادةً جيّدةً، ولكنّ المشكلة إنّما حدثت من حيث تعريف السّلفية، يعنى، أن بعض الباحثين قد سمَّوا كلَّ من يُجلّ السّلف ويحترمهم، ويقول: إنّ السلفَ قدوتُنا أنّه سلفيّ بالمعنى المصطلح اليوم، حتى انه قد قيل إن من اعتقد أن السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام هي مصدر التشريع بعد القرآن، فإنه سلفي.
فقد اختلفت الآراء واختلفت الأنظار فى تعيين من هم السلفية، وقد جاءت فى بعض البحوث وفى بعض الكلمات ما هو خلاف للواقع من حيث إنّهم سمّوا من ليس سلفيّا أنه سلفيّ، وقد ذُكر لي أن بعض الإخوة ذكروا أن الشيخ أشرف علي التهانويّ والشيخ يوسف البنوري وجماعة الدعوة والتبليغ كل هؤلاء كانوا سلفيين، والواقع أنّهم وإن كانوا سلفيّين بمعنى أنهم يعتقدون الصحابة والتابعين قدوتهم، ولكنهم لم يكونوا سلفيّين بالمعنى المصطلح الّذى شاع اليوم، ولعل النتيجة الّتى وصلنا إليها من خلال هذه الأبحاث، هي: التفريق بين اتّباع السلف كمنهج للتفكير، وتسمية طائفة منهم سلفية، فاتّباع الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين والصحابة فيما اتفقوا عليه من العقيدة وفهم النصوص، يجب علينا اتباعه، ولكن لم يزل هناك خلاف فى تفسير النصوص، وإن هذا الخلاف لم يؤدّ السلف إلى امتناع أداء الصلوات من بعضهم خلف بعض، أو تكفير بعضهم بعضا أو تفسيق بعضهم بعضا. وقد جاء فى بعض البحوث هجوم شديد على السلفية، فبعضهم هاجم السلفية من حيث إنه يزعم أن السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام هي مصدر التشريع، وبعضهم هاجم السلفية على أساس أن السلفية هم يريدون أن يقيموا دولة إسلامية تُطبّق فيها الشريعة، وبعضهم هاجموا السلفية على أساس أنهم يكفِّرون الآخرين، وبعضهم هاجموا على أساس أنهم حملوا السلاح على المسلمين، وهذه كلّها اتجاهات مختلفة، وكان بوُدّى أن نكون حينما نتكلّم عن السلفية، فليكن أحدهم ممثلاً للسلفية موجودا معنا، حتى نسمع كلامهم، وحتى نتابع ما يقول؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلّم قال: “لا تقض لأحد الخصمين حتى تسمع كلام الآخر”، فكان بوُدّى أن نجتمع فى هذه الندوة مع من يدّعى أنه سلفي، وما هو اعتقاده وما هي أفكاره، وأرجو أن نكون فى الندوات المستقبلة، إن شاء الله تعالى، نجمع، لأن المقصود هو توحيد كلمة المسلمين، وإبعاد التشتت والتفرق فيما بين المسلمين، والصراعات فيما بين المسلمين، فيجب أن يكون حينما نتكلم عن السلفية، فليكن السلفية ومعارضوا السلفية، كل واحد من الطائفتين موجودا عندنا.
ثم النتيجة الّتى وصل إليها معظمُ الباحثين فى نظرى: هو أن اصطلاح السلفية إن كان المقصود منه أنّهم خرجوا عن تقليد الأئمة الأربعة فى بعض المسائل، فهذا طريقُ ابن تيمية رحمه الله وابن القيم رحمه الله، وكثيرٍ من السلف، هذا طريق من الطّرق، وإن كانوا قد تفرّدوا فى بعض المسائل عن جمهور الأمة، ولكن مجرّد هذا العمل لا يُخرجهم عن الإسلام ولا يؤدّيهم إلى الضلال ولا إلى تضليلهم، ولكن المشكلة إنما حدثت حينما ظهر فيهم الغلوّ والإفراط، الغلوّ والإفراط والتطرّف بحيث كفّروا جميعَ من لا يعتقد مثل اعتقادهم وجميعَ من لا يقول بقولهم، وهنا حدثت المشكلة، ثم تعدّى هذا الأمر إلى أنّ هؤلاء الذين يزعمون أنفسهم أنهم هم الّذين على حقّ وهم الطائفة الناجية، فإنهم حملوا السّلاح ضدّ من يخالفهم، وهذا هو الّذي سُمّي فى ندوتنا هذه: ندوة تضليلية، أو ندوة سلفية تكفيرية، فهذا يستحق كلّ إنكار وتشنيع، ولكن هناك ناحية أريد أن أُلفت أنظاركم إليها، وهي أن هذه الطائفة الّتى حملت السلاح وظهرت كإرهابيين، لو نظرنا فى أسباب نهوضهم فإننا نرى أنها ردّة فعل، ردة فعل لما نشاهده فى العالم الإسلامي بأجمع، وهو أننا قد ابتعدنا عن عقائدنا، ابتعدنا عن أفكارنا، ابتعدنا عن أعمالنا، وجعلنا الغرب مقتدانا وإمامنا نظريا واقتصاديا، وسياسيا، وعمليا، واجتماعيا، فجعلنا الغرب إمامنا وقدوتنا فى كلّ شيء، الغرب ليس حسنا كله، وليس قبيحا كله، فيه ما يحسُن وفيه ما يقبُح، وكان من الواجب على المسلمين أن ينتقُوا من الأفكار الغربية ما هو حسن، ويردّوا ما هو قبيح، ولكننا نحن المسلمين قد اعتقدنا أن جميع ما يأتى من الغرب فهو ينبغى أن يُقتدَى به وليس لنا نجاةٌ إلا باتّباعه، وإن هذه الفكرة هي الّتى أنشأت ردّة فعل فى شباب المسلمين فإنّ الرجل المسلم الّذى عنده صحوةٌ حقيقيةٌ للرجوع إلى الإسلام والّذى يريد أن يعمل بتعاليم دينه، يحول دونه القوانين، تحول دونه النُّظُم، مثلاً: المرأة المسلمة المحتشمة إذا أرادت أن تأخذ الحجاب وتلبس الحجاب يمنعها القانون، أين حرّيّة التفكير؟!، وأين حرّيّة الاعتقاد؟!، وكذلك إذا شاء الإنسان المسلم أن يُحكَم بشريعة إسلامية، تحول دونه القوانينُ، فهذا الاضطراب الّذى حصل فى شباب المسلمين الّذى كان فيهم صحوةٌ حقيقيّةٌ للرجوع إلى الإسلام، ولكنهم مُنِعوا من ذلك قهراً وقسراً، وسُجنوا، وعوقبوا على ذلك، فإنّ هذا قد أحدث فى أنفسهم اضطراباً ورَدّةَ فعل، وإنهم اعتقدوا أنه ليس لنا سبيل إلا أن نحمل السّلاح، وهذه الفكرة خاطئة بالمرّة، ولكن يجب علينا نحن أن ننظر فى الأسباب الّتى أوقعتهم فى هذا الخطأ.
والطريق القويم لنجاة الأمة عن هذه الظاهرة الّتى ننكر عليها جميعا، هو أمران: الأوّل: التفاهم، يعنى ينبغى أن نتفاهم، سواء كنا سلفيين أو غير سلفيين، نجلس سويّا، ونتعامل، ونتذاكر، ونتفاهم، والطريق الثانى هو أن نحاول بكلّ ما فى وُسعنا أن نطبّق الشريعة الإسلامية فى اجتماعاتنا، وفى اقتصادنا، وفى سياستنا ما نستطيع أن ننفّذه فى حياتنا اليوميّة؛ لو فعلنا ذلك بالطُّرُق السِّلمية وبالطُّرُق المتّزنة وبالطُّرُق المعتدلة لماتت الحركاتُ الهدّامةُ حتف أنفُسها، وهذا موضوعٌ يحتاج إلى نظر وتأمُّل، وهذا موضوعٌ يحتاج إلى ندوة مستقلّة، لتكون حلّا وَسَطاً، حلّا مناسِباً وجميلا للخروج عن هذه الأزمة وعن هذه المشكلة.
وإنى كنت أريد أن أشرح هذه النقطة بشيئ من التفصيل، ولكن سعادة الرئيس قد وجه إليّ ورقةً تشير إلى انتهاء الوقت، فلذلك أكتفى بهذه الإشارات، ولكنّي أرجو أن تكون موضع اعتبار، وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يوفّقنا جميعا لما فيه خيرٌ للإسلام والمسلمين وأن نوجد طريقا لجمع كلمة المسلمين، والله سبحانه وتعالى هو الموفِّق، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.