كلمة فى الجلسة الافتتاحيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطاب الافتتاح للاستاذ المکرم المفتی محمدتقی العثمانی حفظه الله و رعاه فی الندوة العالمیة حول السلفیة، المنعقدة فى نومبر سنة 2013

أما بعد
معالی الدکتور صالح طوغ رئیس الجلسة، و سعادة الدکتور علی اوزاک، العلماء الحاضرین، و الحضور الأکارم أحییکم بتحیة الله؛ تحیة الإسلام؛ السلام علیکم و رحمة الله و برکاته.
أولا أشکر وقف دراسات العلوم الإسلامیة لإقامة هذا الملتقی المبارك إن شاء الله و أشکرهم علی أنهم وجهوا الدعوة للمشارکة فی هذا المؤتمر المبارك الی هذا العبد الضعیف و مکنونی من هذه الفرصة السعیدة للالتقاء بکم و الحضور معکم و زیارة هذه البلاد الشقیقة العریقة التی أعتقد أنها من البلاد التی لایملّ الإنسان من زیارتها و إنی بتوفیق الله سبحانه و تعالی زرت هذه البلاد أکثر من ست مرات و من عادة الإنسان أنه إذا تکرر زیاراته لبلد واحد انه یملّ منه و لایرید أن یذهب إلیه مرة أخری و لکن ترکیا من البلاد الّتی لا أملّ منها و لایحدث منها کلال و لاملل و سبب ذلك أنی أشم فی هذه الاجواء الطیبة، رائحة القرون التی کان الإسلام و المسلمون فی تلك الآونة فی ازدهار و رقی و کم من علم بثّ من هذه المنطقة الطیبة و کم من مبادرات طیبة خرجت من هذه البلاد العریقة و انی اشعر ان کل قبّة فی هذا البلد و فی هذه المدینة خاصة استانبول لها تاریخ و ان کل منارة لها معنى و لذلك لا أملّ من زیارة هذا البلد و اشکر إخوتی الذین وجهوا إلی الدعوة لزيارة هذا البلد الطيب. جزاهم الله تعالی خیرا و أحسن لهم أجرا.
و لکنی لما وجهت الی الدعوة و علمت أن الندوة ستقام علی موضوع السلفیة، فإن الترکیز علی هذا الموضوع ربما أوقعنی فی شئ من التردد و ذلك لأنی اعتقد ان معظم مشاكلنا الیوم؛ مشاكل الامة الإسلامیة الیوم كما تفضل به سعادة الدكتور علی قبلی هی ناشئة من الخلافات و الصراعات فی ما بین المسلمین. نحن لم یوقعنا فى اضمحلال و ضرر أحد من الخارج من اعداء، انما اوقعنا انفسنا فی هذا من اجل هذا التفرق و الانتشار و التشدد و التحزب و التعصب سیاسیا او طائفیا او قومیا او مذهبیا. فانی فی بدایة الامر حینما وجهت الی الدعوة ان الندوة ستقام علی موضوع السلفیة، خشیت فی نفسی ان تكون هذه الندوة هی تثیر جدلا و صراعا و نقاشا فیما بین السلفیین و غیر السلفیین و هذا مما لایراه احد فی صالح المسلمین. و كتبت فعلا رسالة الی السید الرئیس و ذكرت فیها ذلك و لكن اجابنی حفظه الله و تعالی و جزاه الله تعالی خیرا بان هذه الندوة ندوة علمیة محضة لا علاقة لها بالتفرق و لا بالصراع و لا بالجدل و لا بالنقاش الذی یدخل فیه المناظرون و لذلك حینما جاءتنى قائمة البحوث التی تقدم فی هذه الندوة رأیت انی من المستفیدین بهذه البحوث و انی استفید منها ان شاء الله و تعالی. لأنها ترید أن ننظر فی كل القضیة نظرة هادئة جادة علمیة رصینة دون ان نقع فی جدل و مناظرة. فالحمد لله الذی وفقنا علی حضور هذا المؤتمر و ندعو الله سبحانه و تعالی أن یكلله بالنجاح.
فی الواقع السلفیة كمدرسة فكر اصطلاح حادث و لایوجد هذا الاصطلاح كمدرسة فكر فی عهد المحدثین و الأئمة المجتهدین كالإمام البخاریّ و الإمام مسلم و أبی حنیفه و الشافعی و ما إلی ذلك. إنما حدث هذا الاصطلاح فی عصرنا الحاضر و من غریب مایحكی كنكتة أن أحدا من الناس كان یقول لآخر إن الأئمة القدامی سواء كانوا من الفقهاء او المحدثین كانوا لایُسمُّون أنفسهم سلفیّين ولا يقول أحد إنی سلفیّ. فقال الآخر لماذا لا؟ نری من المحدثین أبوطاهر السلفی.
فی الواقع السلفی الذی نسب الیه أبوطاهر لیس هو “سلفیّ” بفتح السین بل هو “سِلَفِیّ” بكسر السین و هی كلمة معربة یعنی سه باللغة الفارسیة معناه ثلاث و “لب” اصله لب بمعنی الشفة و سِلفی (سه لبی) معناه صاحب ثلاث شفاه. یعنی كانت شفته العلیا ملتویة قلیلا فكأنه كان یُری من بعید أن له شفاها ثلاثة و لذلك سمی “سه لبی” فعرّبوه الی “سِلفی”.
لكن مفهوم هذا الاصطلاح فی الفهم المعاصر هو یعنی الذین یعتقدون ان سلوك منهج السلف من الصحابة و التابعین و اتباعهم هو الطریق السلیم و الصحیح و لكن لو كان الأمر مقتصرا علی هذا فان جماهیر الأمة الإسلامیة كلهم مطبقون علی أن منهج السلف یعنی منهج الصحابة و التابعین هو المنهج القویم و لابد أن نحذو حذوهم لأن الله تعالی قال: “فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا”. فنحن مطبقون على أن الله تعالی أمرنا بأن ننهج منهج السلف الصالحین. فالأمة جمیعا بهذا المعنی سلفیّون و لكن المشكلة إنما حدثت حینما قیل إن السلفیة تنكر علی الأئمة المجتهدین، تنكر علی الذین اجتهدوا من قبلهم. إنهم یعتقدون أنه لابدّ لكلّ أحد من الناس ان یستنبط الأحكام الشرعیة من القرآن و السنة مباشرة دون أن ینظر إلی هؤلاء الفقهاء و لا الی هؤلاء المجتهدین كان یرید أن یشرع فهم القرآن و السنة منذ الآن، من الألف و الباء كأنه نزل القرآن اليوم ولم يفهمه أحد قبل. هذا هو الذی سبب بعض المشاكل ثم تعدی الأمر إلی أن كلمة السلفیة استُخدمت و أسیئ استخدامها و جعل الناس الذین یكفرون الآخرین هم الذین یسمون أنفسهم سلفیة مع أن لی أصدقاء كثر من العلماء السلفیة كلهم رأیتهم معتدلین فی فكرهم و فی منهجهم و فی عملهم لایكفر أحد أحدا و لكن جائت هناك طائفة و قالت كل من خرج عن هذا فقد خرج عن الإسلام و مرق من الإسلام. فهذه هی التی سببت المشاكل فیما بین صفوف المسلمین و الآن لیس التكفیر فقط إنما جاء هناك حملات و نهضات بالسلاح و حدث قتال بین المسلمین و هذا القتال هو الذی جعلنا كأننا حصیات منتشرة فی بقاع العالم الإسلامی. فلو درس هذا الموضوع بهذه النیة و بهذا الطریق العلميّ الجاد، فإننا نرجو الله سبحانه و تعالی أن یكون لهذه الندوة أثر بالغ و إن شاء الله قد تكون هذه الندوة ناجحة.
قبل أن أختم كلامی فإنی استمعت إلی كلمة معالی الرئیس؛ رئیس وقف دراسات العلوم الإسلامیة حفظه الله و تعالی و جزاه الله تعالی خیراً علی هذه الكلمة القیّمة البلیغة و لكن بما أننا نحن هنا فی ندوة و المقصود من الندوة هو تبادل الآراء و الإصلاح فإن لی ملاحظة وجیزة فیما تفضل به بأن أصول الفقه مبنیة علی فلسفة أرسطو …….. فإن أصول الفقه لا علاقة لها بفلسفة ارسطو إطلاقا لأن أول كتاب فی أصول الفقه ألفه الإمام الشافعی رحمه الله و فی ذلك الحین لم تكن الفلسفة الیونانیة ترجمت إلی العربیه حتی یستفید به المسلمون إنما ترجم بعد ذلك. فأصول الفقه فی الواقع لم تكن مبنیة أبدا علی فلسفة أرسطو و فلسفة الاستقراء. و كما تعرفون أن أصول الفقه هی محتویة علی العرف و التعامل و المصالح المرسلة و هذه كلها لیست مبنیة علی الاستخراج الیونانی الأرسطاطیسی بل إنما هي مبنیة علی الاستقراء، ما هو العرف، ما هو التعامل. كثیرا ما تتغیر الاحكام بتغیر العرف و تغیر التعامل و للفقهاء و الأصولیین فی ذلك كتب كثیرة یعرفها كل من درس هذه العلوم الإسلامیة و بهذه الملاحظة الوجیزة أختم كلامی و أشكر سعادته والسلام عليكم جميعا.