القاديانيّة

القاديانيّة

جواب مقترح عن استفسارات مقدَّمة من قبل مسلمي جنوب إفريقيّا إلى مجمع الفقه الإسلاميّ الدّوليّ حول هذه الطائفة الزائغة، ويليه القرار الصادر من المجمع بشأنها.

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى فضيلة العلّامة المحقِّق حبيب بلخوجه، حفظه الله تعالى ورعاه
الأمين العامّ لمجمع الفقه الإسلاميّ

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فإنّ الطّائفةَ القاديانيّةَ، كما تعرفون، من الفِرَقِ الزّائغةِ المنحرفةِ الّتى لا تألو المسلمين خبالاً. وقد صدرت من مُعظَم البلاد الإسلاميّة فتاوَى العُلماءِ فى تكفيرهم، وفى الأخير أدخلت حكومةُ باكستان تعديلاً فى دُستورِها، قرّرت فيه أنّ هذه الطّائفةَ من الأقلّيّاتِ غيرِ المسلمة، وذلك فى سنة ۱٩٧٤م، ثمّ أتبعته فى العام الماضى بقانونٍ يَمنَعُهُم من استعمال المصطَلَحاتِ الإسلاميّةِ، كــ “المسجد” و “الأذان” و “الخلفاء الرّاشدين” و “الصحابة” و “أمّهات المؤمنين”، وما إلى ذلك، كما قرّرت رابطةُ العالَمِ الإسلاميِّ فى قرارها الصّادر سنة ۱٩٧۳م أنّها فرقةٌ كافرةٌ منحرفةٌ.
وبعد هذا كلِّه، فإنّ هذه الطّائفةَ قد رفعت إلى المحكمة العالية بكيب تاؤن من جنوب إفريقيّا، قضيّةً ضدّ المسلمين، أنّ المسلمين يَحكُمون عليهم بالكُفر، ويَمنعونهم من الصّلاة فى مساجدهم وعن دَفْنِ موتاهم فى مقابرهم، وطَلَبُوا من المحكمة أن يُصدِر حُكماً ينهَى المسلمين عن كلِّ ذلك ويقرِّر أنّهم مسلمون.
وكان المحكمةُ قد أَصْدَرَتْ فى مبدأ الأمر حُكماً على المسلمين بأن لا يَمنَعُوا القاديانيّين من دخولِ مساجدِهم إلى أن تبلُغ القضيّةُ نهايَتَها، فرفع المسلمون طَلَباً إلى المحكمة بإلغاء هذا الحكم، وأن لا يُمنع المسلمون من وضعهم السّابق إلى أن تَبُتَّ المحكمةُ بالحكم فى القضيّة، فسافرنا من باكستان- ونحن عشرةُ رجالٍ- إلى جنوب إفريقيّا، لنُساعدَ إخواننا المسلمين هناك، والحمد لله الّذى رَزَقَنا النَّجاحَ فى هذه المرحلة الابتدائيّة، وقد ألغت المحكمةُ حكمَها السَّابِقَ بعد سَماع دلائلِ الفريقين، وكانت القاضيةُ إذ ذاك إمرأةً نصرانيّةً سمعت دلائلَنا بكلّ عنايةٍ وإصغاءٍ،
ثمّ رفع المسلمون طلباً آخرَ، أنّ الحكم بكُفر القاديانيّين وإسلامهم، إنّما هو أمرٌ دينيٌّ بَحتٌ، لا ينبغى لمحكمةٍ عَلمانيّةٍ أن يتدخّلَ فيها، بعد ما أجمع سائرُ المسلمين فى بِقاعِ الأرض أنّ أَتْباعَ مرزا غلام أحمد كلَّهم خارجون عن ملّة الإسلام. ولم يبق هذا الأمرُ بعد ذلك موضوعَ نقاشٍ أو جدالِ.
وإنّ هذا الطّلب رُفع إلى قاضٍ يهوديٍّ، وإنّكم تعرفون أنّ القاديانيّين لهم مركزٌ فى إسرائيل، ولهم مع اليهود صلاتٌ قويّةٌ، وزاد الضِّغثُ على الإبّالةِ أنّ هذا القاضِيَ اليهوديَّ يُعَدُّ من فِرَقِهم المبتدِعة الّتى أخرجها الأرتودكسيّون عن دائرتهم، فبطبعه كان ميّالاً إلى مواساة القاديانيّين، فحَكَم فى جواب هذا الطّلب خلافَ المسلمين، وقال فى حُكمه: إنّ المحكمة العَلمانيّةَ هِيَ المصدرُ الوحيدُ الّذى يستطيع أن يَحكُم فى هذه المسألةِ الدّينيّةِ حُكماً لا يتأثّرُ بعَوَاطِفِ العَصَبيّةِ المذهبيّةِ، فيجبُ عليها أن تتدخّل فى هذا الأمر ويَبُتَّ فيه برأيٍ غير مُنحازٍ.
فاضطُرّ المسلمون بعد هذا الحكم أن يَعرِضُوا أمامَ المحكمة دلائلَ تكفيرِ القاديانيّين من الكتاب، والسّنّة، وإجماع الأمّة.
وقد طلب القاديانيّون من المسلمين إثبات أنّ علماءَ المسلين فى جميع البلاد الإسلاميّة يعتبرون القاديانيّة كُفْرا، وذكروا للمحكمة أنّه ليس هناك فى العالم الإسلاميّ مجلِسٌ يُمثِّل علماءَ جميعِ الدُّوَلِ الإسلاميّةِ، حتّى يُقالَ: إنّ المسلمين أجمعوا على ذلك.
وفى هذا الصّدد يحتاج المسلمون فى هذه القضيّة إلى فتوى من مجلس دُوَلِيٍّ للعلماء يُمثِّل جميعَ البلاد الإسلاميّة، ولا شكَّ أنّ مجمع الفقه الإسلاميّ هو أعظمُ ما وُجِد حتّى الآن من المجالس فى هذا الشّأن، فيريد المسلمون فى جنوب إفريقيّا أن يُصدِر المجمعُ فتوى يُصرِّح بتكفير أتباعِ مرزا غلام أحمد القاديانيّ، ليكون سنداً لهم عند دعواهم الإجماعَ على ذلك.
وإنّ هذه القضيّةَ ستَشْرَع المحكمةُ فى سَماعِها للخامس من شهر نوفمبر هذا العام، ونرجو انعقادَ مجلسِ المجمع قَبْلَه، فمن المناسِب جدّاً أن يُصدِر المجمعُ فتوى من قِبَل مجلسه العامّ فى جلسته القادمة.
وإنّى، نظراً إلى أهمّيّة الموضوع، قد سوّدتُ هذه الفتوى، لتكون وَرَقَةَ عَمَلٍ لشُعبةِ الإفتاء أوّلاً، وللمجلس ثانياً.
فالمرجوّ أن ترسلوا هذه الفتوى إلى جميع الإخوة الأعضاء، كوَرَقَةِ عَمَلٍ للجلسة القادمة، وأرجو أنّ الإخوةَ الأعضاءَ نظراً إلى أهمّيّة الموضوع، يُسامِحون عن عَدَمِ دخول هذا الموضوع فى اللّائحة الّتى أَعَدَّتْها شعبةُ التّخطيط.
وأرجو أيضا أن تخبرونى عن وصولِ هذه الرّسالة، وإدخالِ الموضوع فى لائحة الجلسة القادمة.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد تقي العثماني

استفتاء
Muslim Judicial Council
Headquarters
‘Darul Arqam’
Cashel Ave.
Athlone
7764

الحمد لله وكفَى وسلام على عباده الذين اصطفَى
إنّ الطّائفة القاديانيّة الّتى تسمّى نفسها ” الأحمديّة ” تتبع فى أمور دينها رجلاً اسمُه مرزا غلام أحمد القاديانيّ ، وإنّ مرزا غلام أحمد القاديانيّ رجلٌ وُلد فى قاديان، قريةٍ من قُرَى الهند ، وادّعى أ نّه نبيٌّ مرسلٌ من الله سبحانه، وأنّه بروزٌ لسيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذالك فإنّ نُبُوَّتَه لا تُنَافِى كونَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم خاتَمَ النبييّن.ثمّ إنّ هذا الرّجل لم يكتفِ بادّعاء النّبوّة ، بل ادّعَى أ نّه أفضل من سائر الأنبياء السّابقين، وأنّه هو المسيحُ الموعودُ الّذى أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بنزوله فى آخر الزّمانِ، وإنّ كتاباتِه مليئةٌ بمثل هذه الدّعاوِى، وبإهانةِ عدّةٍ من الأنبياء عليهم السّلام، وصحابةِ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم. وإنّ عدّةَ مُقْتَبَسَاتٍ مترجمةٍ من كُتُبِه مجموعةٌ على سبيل المثال فى ضميمة ” ألف ” من هذا الاستفتاء.
وإنّ أتباعَ مرزا غلام أحمد القاديانيِّ ينقسمون إلى فرقتين:
١-الفرقة القاديانيّة: وهي الّتى تُؤمِنُ بِنُبُوَّةِ مرزاغلام أحمد القاديانيّ بكلِّ معنى الكلمة، وتُكفر كلَّ من لم يُؤمِن بنبوّته، وتُسَمِّى زوجتَه “أمّ المؤمنين” وأتباعَه الّذين بايعوا على يده “صحابة” وخلفاءه “الخلفاء الرّاشدين “.
٢-الفرقة اللّاهوريّة : وهي الّتى تُؤمِن بأنّ مرزا غلام أحمد القاديانيَّ هو المسيحُ الموعودُ، و إنّه المجدِّدُ للقرن الرّابع عشر، وإنّ جميعَ ما كتبه فى مؤلَّفاته حق يجب اتباعه، وأنّه كان ينزل عليه وحيٌ يجب تصديقُه واتّباعُه ،و إنّ كل من يكذّب مرزا غلام أحمد أو يكفّره فهو كافرٌ.
غير أ نّهم يقولون: أنّ مرزا غلام أحمد القاديانيّ لم يكن نبيّاً بمعناه الحقيقيّ، وإ نّما كان نبوّتُه ظلّيّةً أو مجازيّةً، وكان وحيُه وحيَ ولايةٍ، دون وحيِ نبوّةٍ ، وإنّ مجرد عدم الإيمان بمرزا غلام أحمد القاديانيّ لا يكفر الإنسان، ولكن يكفّره الاعتقادُ بكذبه، أو كفره.
وإنّ كلتا الفرقتين من أتباع مرزا غلام أحمد القاديانيّ متّفقتان فى أمورٍ:
١- إنّ مرزا غلام أحمد القاديانيَّ هو المسيحُ الموعودُ الّذى أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بنزوله فى آخر الزّمان.
٢- انّه كان ينزل عليه وحيٌ يجب على جميع الناس تصديقُه واتّباعُه.
٣- انّه كان ظلاً وبروزاً للنبيّ صلى الله عليه وسلم نفسه فى آخر الزّمان.
٤- انّه كان مُحِقّاً فى جميع دعاويه، وفى كلّ ما تكلّم به، أو كُتُبِه فى مؤلَّفاته.
٥- كلّ من كذّبه في دعاويه، أو كفّره فهو كافرٌ.
ولذلك اتّفق علماءُ الهند وباكستان على كُفرِ مرزا غلام أحمد القاديانيّ ، وكلتا الفرقتين من أتباعه منذ نحو خمسين عاماً، ووافقهم على ذلك علماءُ البلاد الإسلاميّة الأخرىٰ، حتّى صدر قرارٌ من رابطة العالَم الإسلاميّ فى مكّة المكرّمة سنة ١٩٧٣م بتكفيرهم بإجماع ١٤٤ منظمة من المنظمات الإسلاميّة فى سائر بقاع الأرض، ثُمّ صدر فى باكستان تقنينٌ دُستُوريٌّ أعلن بكفر كلتا الفرقتين من القاديانيّين، وبذلك حكمت المحكمةُ العاليةُ فى باكستان، وحدث مثلُ ذلك في ماليزيا، وقد رفع هؤلاء القاديانيّون الآن قَضِيّةً ضِدَّ المسلمين فى المحكمة العالية من كيب تاون، جنوب إفريقيّا، وطلبوا منها أن تُعلِن بإسلامهم وبتخطئة من يكفّرهم.
فنرجو من أصحابِ الفضيلة أعضاءِ مجمع الفقه الإسلاميّ الإجابةَ عن الأسئلة التّالية :
١-هل يعدّ مرزا غلام أحمد القاديانيّ بعد ادّعاء نبوّته من المسلمين أو يحكم بكفره وارتداده؟
٢-هل الفرقة القاديانيّة من أتباعه مسلمة ، أوكافرة؟
٣-هل الفرقة اللاهوريّة من أتباعه مسلمة ، أو كافرة؟
٤.هل يجوز لمحكمة علمانيّة أن تحكم بإسلام رجل أو كفره؟ ولئن حكمت فى ذلك فهل ينفذ حكمها على المسلمين ؟
وندعو الله سبحانه أن يسدّد في سبيل نشر الدعوة الإسلاميّة ، ويوفقكم لما فيه خير للإسلام والمسلمين.
نظيم محمد
رئيس مسلم جوديشل كونسل

ضميمه ” ألف”
دعوى النبوّة

١-يقول فى ” دافع البلاء “: “هو الإله الحقّ الّذى أرسل رسوله فى قاديان.”
٢-يقول فى ” نزول المسيح”: “أنا رسول و نبىّ اى أنّنى باعتبار الظلّية الكاملة مِرآة فيها انعكاس كامل للصّورة المحمديّة و النبوّة المحمديّة” .
٣-و قال فى تتمة “حقيقة الوحى”: “والّذى نفسى بيده انّه أرسلنى و سمّانى
٤-و قال فى ” ايك غلطى كا ازالہ”: “إنّ زهاء مائة وخمسين بشارة من الله وجدتُها صادقةً إلى وقتنا هذا، فلماذا أنكر اسمى نبيّاً و رسولاً، وبما أنّ الله هو الّذى سمّانى بهذه الأسماء، فلماذا أردّها، أو لماذا أخاف غيره.”
٥-و قال فى هامش “حقيقة الوحى”: “إنّ الله تعالى جعلنى مظهراً لجميع الانبياء ونسب إلىّ اسمائهم، أنا آدم، أنا شيث، أنا نوح، أنا إبراهيم، أنا إسحاق، أنا إسماعيل، أنا يعقوب، أنا يوسف، أنا عيسىٰ، أنا موسىٰ، أنا داود، وأنا مظهر كامل لمحمد صلى الله عليه وسلّم، أى أنا محمد و أحمد ظلياً.”
٦-وقال فى صحيفة “بدر”: “دعواى أننى رسول و نبىّ.”
٧-وقال فى “نزول المسيح”: “إنّ الانبياء و إن كثروا إلا أنّنى لستُ أقلّ منهم فى المعرفة.”
٨- “وكذلك كان اعتقادى أوّلا : اين أنا من المسيح ابن مريم ؟ فإنه نبيّ و من المقرّبين، فلو ظهر أمرٌ دل على فضلى، اعتبرتُه فضيلةً جزئيّةً، ثمّ تتابع علىّ الوحيُ كالمطر فجعلنى لا أستقرّ على هذه العقيدة، وخاطبنى بالنّبيّ صراحةً بحيثُ أنّني نبيٌّ من ناحيةٍ و من الأمّة من ناحيةٍ أخرىٰ…. و أُومن بوحيه الطاهر كما أومن بجميع وحى الله الذى جاء قبلى … و أنا مطيع لوحي الله تعالىٰ، و ما دام لم يأتنى منه علمٌ كنت أقول كما قلتُ فى الأوّل، و لما جاءنى منه علم قلت خلاف ذلك.”
٩- لا شكّ أنّ عقيدة المرزا المتنبى الّتى مات عليها أنّه نبيٌّ، و قد جاء ذلك فى خطابه الأخير الّذى نشر فى يوم وفاته فى جريدة “أخبار عام” وصرح فيه ما يلى: أنا نبيٌّ حسب حكم الله، ولو جحدته أكون آثماً، وإذ سمّانى الله نبيّاً فكيف يمكن لى جحوده، وأنا على هذه العقيدة حتَّى أرحل من هذه الدّنيا. كتب هذا الخطاب فى ٢٣ مايو ١٩٠٨م و نشر فى ٢٦ مايو فى “أخبار عام” و فى ذلك اليوم مات المرزا المتنبى.
10- أنا هو النبيّ خاتم الأنبياء بروزيّاً بموجب آية : “وآخرين منهم لما يلحقوا بهم” وسمّانى الله محمداً وأحمد فى “براهين أحمديّة” قبل عشرين عاماً، واعتبرنى وجودَ محمد صلى الله عليه وسلّم نفسه، و لذا لم يتزلزل ختم نبوّة محمد صلى الله عليه وسلّم بنبوّتى، لأنّ الظلّ لا ينفصل عن أصله، و لأنّنى محمد ظلّيّاً، و لذا لم ينفض ختم النبوّة، لأنّ نبوّة محمد صلى الله عليه وسلّم لم تزل محدودة على محمد، أي بَقِيَ محمد صلى الله عليه وسلّم نبيّاً لاغير. أعنِى لما كنت محمداً صلى الله عليه وسلّم بروزيّاً، وانعكست الكمالات المحمديّة مع النبوّة المحمديّة فى اللّون البروزيّ فى مرآتى الظلّيّة، فأيّ إنسان منفرد ادعى النبوّة على حياله.
١١-يقول ابن المتنبِّى الأوسط – مرزا بشير أحمد القاديانيّ – :
هذا الّذى يظنّ بعض النّاس أنّ النبوّة الظّلّيّة والبروزيّة من أدنى أنواع النبوّة، إنّما هو خداع النفس ولا حقيقة له، لأنّه لا بدّ للنبوّة الظّلّيّة أن يستغرق صاحبها فى اتباع النبيّ صلى الله عليه وسلّم حتى ينال درجة : “صرت أنا أنت وأنت أنا” و فى هذه الحالة يرى هو أن الكمالات المحمديّة تنزل على نفسه فى صورتها العكسيّة، و يزداد هذا القرب حتَّى يلبس رداء النبوّة المحمديّة، و عندئذ يقال له : النبيّ الظلّيّ، و إذا كان الظلّ يقتضى أن يكون صورة كاملة لأصله وعليه إجماع جميع الأنبياء، فعلى الأحمق الّذى يرى نبوّة المسيح الموعود الظلّيّة من أدنَى أنواع النبوّة أن ينتبه ويفكر فى أمر إسلامه، لأنّه هجم على شأن النبوّة هى تاج سائر النبوّات، ولا أفهم لما ذا يتعثر الناس فى نبوّة المسيح الموعود؟ و لماذا يراه الناس نبوّة ناقصة؟ فإنّى أرى أنه كان نبيّاً ظليّاً لبروزه للنبيّ صلى الله عليه وسلّم ومكانة هذه النبوة الظلية العالية.
ومن الواضح أنّ الأنبياء فى العصر الماضية لم يكونوا يجمعون -با لضرورة- كل الكمالات الّتى جمعت فى محمد صلى الله عليه وسلم، بل كل نبيٍّ كان يعطَى من الكمالات حسب عمله و استعداده، قلةً وكثرةً ، إلا أن ّ المسيح الموعود أُعطِيَ النبوة عند ما اكتسب جميع الكمالات المحمديّة واستحق أن يقال : “النبى الظلّيّ” فالنبوّة الظلّيّة لم تؤخر قدم المسيح الموعود بل قدمتها إلى الأمام إلى أن أقامته جنبا إلى جنب مع النبيّ صلى الله عليه وسلّم .

بسم الله الرحمن الرحيم

مسودة الجواب المقترح عن
الاستفتاء [فى] القاديانيّين

محمد تقى العثمانيّ
عضو القسم الشرعيّ للمحكمة العليا
باكستان

الحمد لله رب العالمين ، والصلوة والسلام على رسوله خاتم النبيّين ، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

١،٢- إنّ نصوص القرآن والسنّة مُطبِقَةٌ على أنّ النبوّة والرسالة قد انقطعت بعد بعثة النبيّ الكريم سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنّ كل من ادعى النبوّة بعده صلى الله عليه وسلّم فهو كاذب خارج عن ملة الإسلام، و إنّ هذه العقيدة من المبادى الأساسيّة التى لاتَقبَلُ أيَّ تأويلٍ أو تخصيصٍ، فإنّها ثابتةٌ بنصوص القرآن الكريم الواضحة البيّنة المراد، والحديث النبويّة المتواترة القطعيّة، يقول الله سبحانه وتعالىٰ:
﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب: 40]
وهناك أحاديثُ مُتواتِرةٌ أكثر من مائةٍ تُثبِتُ هذه العقيدةَ القطعيّةَ، نذكر منها على سبيل المثال ما يلى:
(الف)
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: “إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلى، كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله، إلّا موضع لبنة من زاوية، فجعل النّاس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون هلّا وضعت هذه اللَّبِنَةُ؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النّبيين.”

(ب)
“عن أبى حازِمٍ، قال: قاعدتُ أبا هريرة خمس سنين، فسمعتُه يحدِّثُ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: “كانت بنو إسرائيل تسوسُهُم الأنبياءُ، كُلَّما هلك نَبِيٌّ خلفه نَبِيٌّ، وانّه لا نبيّ بعدى، وسيكون خلفاءُ، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: “فوا ببيعة الأول فالأول.” [ويوجد فى نسخة صحيح البخاري التى راجعت لفظ: “فيكثرون” بعد قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: “وسيكون خلفاء”]
(ج)
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا تقوم الساعة حتَّى يقتَتِلَ فئتان، فيكون بينهما مقتلةٌ عظيمةٌ، دعواهما واحدةٌ، ولا تقوم السّاعة حتَّى يُبعَثَ دجّالون كذّابون، قريبا من ثلاثين، كلُّهم يزعم أنّه رسولُ الله.

وعلى أساس هذه النّصوص القطعيّة قد اجتمعت الأُمّةُ الإسلاميّةُ على أنّ كلَّ من ادّعى النبوّةَ والرّسالةَ أو بأنه ينزل عليه وحيٌ يجب اتّباعُه كحُجّةٍ شرعيّةٍ ، فإنّه كافِرٌ خارجٌ عن الملّة .
يقول القاضى عياض رحمه الله تعالىٰ فى الشفاء (ص ٣٦٢ طبع الهند):
“لأنّه أخبر أنّه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيّين، ولانبيَّ بعده، وأخبر عن الله تعالىٰ أنّه خاتم النبيّين، وأجمعت الأمّة على حمل هذه الكلام على ظاهره أنّ مفهومه المراد به دون تأويلٍ ولا تخصيصٍ، ولاشكَّ فى كفر هؤلاء الطّوائف كلِّها قطعاً إجماعاً وسمعاً.”
يقول الشيخ عليّ القارى فى شرح الفقه الأكبر ص٢٠٢:
“ودعوى النبوّة بعد نبيّنا صلى الله عليه وسلم كفرٌ بالإجماع.”
ولم تفرِّق هذه النّصوصُ القطعيّةُ ولا الإجماع المنعقد على هذه العقيدة بين دعوى النبوّة التشريعيّة وغير التّشريعيّة، فكلٌّ منهما كفرٌ، لا مجال له فى الإسلام.
و بما أنّ مرزا غلام أحمد القاديانيَّ قد ادّعَى لنفسه النبوّةَ والرّسالةَ كما هو ظاهر من مقتبسات كتبه المذكورة فى ضميمة ” الف ” من الاستفتاء، فإنّه كافرٌ خارج عن الإسلام ، وأمّا ما تأوّل به من أنّ نبوّته ظلٌّ لنبوّة سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم، فإنّ هذا التّأويلَ لايفيد فى هذا الصَّدَدِ شيئاً، و ذلك لوجهين:
الوجه الأوّل:
إ نّنا قد ذكرنا أنّ عقيدة ختم النبوّة لاتَقْبَلُ أيَّ تأويلٍ أو تخصيصٍ، ولذلك كُلَّما ظهر فى المسلمين من يدّعى لنفسه النبوّة ،فإنّ الأمّة الإسلاميّة عبر القرون لم تسئله أبداً عن تأويلٍ يتأوّل به، ولا دليل يُعتمدُ عليه، و إنّما حَكَمَتْ بكُفره و خُروجه عن الإسلام بمجرّد ادّعائه النبوّة، ولذلك قاتَلَ الصّحابةُ رضى الله عنهم مسيلمةَ الكذّابَ والأسودَ العنسيّ وطُليحة بن خويلد المتنبّئين الّذين كان عندهم تأويلُ ما يدّعونه من النبوّة والرّسالة.
والوجه الثّانى:
النبوّة الظلّية أو البروزيّة الّتى تأوّل بها المتنبِّئُ القاديانيُّ ليست فى زعمه نبوّة دون نبوّة الأنبياء الآخرين، وإنّما هى نبوّة تفوق درجةً على نبوّة جميع أنبياء بنى إسرائيل. فإنّ هذه النبوّة كما يزعمه المتنبّئ القاديانيّ لا يعطاها أحدٌ من النّاس، حتى يحوز جميع فضائل سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجمع بين جميع أوصاف كماله، بحيث يُصبِح ظُهوراً ثانياً لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نفسه، ولذلك ادّعى هذا المتنبّئ الكذّاب فى كتابه “ايك غلطى كا ازالہ”(ص١٠،١١):
“وسمانى الله محمداً وأحمداً فى “براهين أحمديه” قبل عشرين عاماً، واعتبرنى وجود محمّد صلى الله عليه وسلم نفسه، ولذا لم يتزلزل ختمُ نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم بنبوّتى، لأنّ الظّلّ لاينفصل عن أصله، ولأنّنى محمد ظلّياً، ولذا لم ينفض ختم النبوّة، لأنّ نبوّة محمّد صلى الله عليه وسلم لم تزل محدودةً على محمّدٍ، أي بقى محمّدٌ نبيّاً لا غير، أعنى لما كنت محمداً صلى الله عليه وسلم بُروزياً وانعكست الكمالاتُ المحمديّةُ مع النبوّة المحمّديّة فى اللّون البُروزيِّ فى مرآتى الظلّيّة، فأيّ إنسانٍ منفردٍ ادّعَى النبوّة على حياله؟”
ويقول ابنه مرزا بشير أحمد القاديانيّ فى كتابه “كلمة الفصل “. وريويو آف ريليجنز مارس وأبريل،١٩١٥م :
“ومن الواضح أنّ الأنبياء فى العصور الماضية لم يكونوا يجمعون -بالضرورة- كلَّ الكمالات الّتى جمعت فى محمّد صلى الله عليه وسلم، بل كلُّ نبيٍّ كان يعطى من الكمالات حسب عمله و استعداده قلةً وكثرةً، إلا أنّ المسيح الموعود (يعنى مرزا غلام أحمد القاديانيّ) أُعطِيَ النبوّة عند ما اكتسب جميعَ الكمالات المحمديّة، واستحقّ أن يقال له “النبيّ الظلّيّ”، فالنبوّة الظلّيّة لم تؤخِّر قدم المسيح الموعود (يعنى المتنبّئ القاديانيّ) بل قدّمتْها إلى الأمام، إلى أن أقامتْه جنبا إلى جنب مع النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ويقول ابنُه وخليفته الثّانى مرزابشير الدين محمود:
“فالنبوة الظلية والبروزية ليست نبوّةً بسيطةً، لأنّها لو كانت كذلك لما قال المسيح الموعود (يعنى المتنبّئ القاديانيّ) فى أحد أنبياء بنى اسرائيل، اتركوا ذكر ابن مريم فغلام أحمد خير منه.” (“القول الفصل” ص ١٦، مطبع ضياء الإسلام قاديان ١٩١٥م)
وصرّح بذالك القاضى ظهور الحق أكمل، وكان مدير المجلة القاديانيّة “ريويو آف ريليجنز” فى أبياته الّتى نشرت فى صحيفة “بدر” ٢٥ أكتوبر ١٩١٦م:
“إنّ محمّدا قد نزل فينا ثانيا، وهو أعلى شاناً من الأوّل،
من كان يريد رؤية محمّد، فلينظر غلام أحمد فى قاديان.”
وقد أعان هذا الرّجلُ نفسَه فى مجلة “الفضل ” القاديانيّة المعروفة (٢٢ أغسطس ١٩44م) أنّه عرض هذه الأبيات على مرزا غلام أحمد القاديانيّ، فأثنى عليه بقوله جزاك الله، وأخذها إلى بيته، وذكر هذا الرّجلُ أ نّه قد استلهم مفهوم هذه الأبيات من ” الخطبة الإلهاميّة ” للقاديانيّ الّتى قال فيها:
“الحقّ أنّ روحانيته عليه السلام فى آخر الألف السادس – أعنى فى هذه الأيام – أشدّ وأقوى وأكمل من تلك الأعوام ، ولذلك لا تحتاج إلى الحسام ولا إلى حزب المحاربين، ولذلك اختار الله سبحانه لبعث المسيح الموعود (يعنى به القاديانيُّ نفسَه) عدة من المئات كعدة ليلة البدر من هجرة سيدنا خير الكائنات لتَدُلَّ تلك العدّةُ على مرتبة كمالٍ تامٍّ من مراتب الترقّيات، و هى أربعُ مائة بعد الألف من خاتم النّبيّين. (الخطبة الإلهاميّة ص٤٧ طبع الجمعية الأحمديّة لاهور)
فتبيّن من هذه المقتبسات أنّ النّبوّة الظّلّيّة كما يزعمها القاديانيُّ وأتباعُه نوعٌ من النّبوّة يفوق نبوّةَ سائر أنبياء بنى إسرائيل، بل هو أقوَى وأكمل من نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم – والعياذ بالله العظيم- فادعائه مثل هذه النبوة كفر صريح لا شبهة فى كونه منافيا للنصوص القطعيّة الدالة على أ نّه لانبيّ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .فثبت أنّ مرزا غلام أحمد القاديانيّ وأتباعه القاديانيين خارجون عن ملة الإسلام دون أيّ شكٍّ وتردّدٍ.
٣.لما ثبت أنّ مرزا غلام أحمد القاديانيّ كافرٌ خارجٌ عن ملة الإسلام بسبب ادّعائه النّبوّة، فإنّ كلَّ من يصدقه فى دعاويه ويعتبره إماماً فى الدّين يجب إطاعتُه واتّباعُه، فإنّه كافرٌ أيضاً، فضلاً عن اعتباره المسيح الموعود والمهديّ والمجدّد، وبما أنّ الطّائفةَ اللّاهوريّة من أتباع مرزا غلام أحمد المتنبئ تعتبره المسيح الموعود والمهديّ والمجدّد، وأنّه كان ينزل عليه وحيٌ يجب اتّباعُه ، فحكمها فى الخروج عن الإسلام كحكم الطّائفة القاديانيّة سواءٌ بسواءٍ، وإنّ الدّراسةَ الدّقيقةَ لمعتقدات هذه الطائفة اللّاهوريّة ، تدل على أ نّه ليس هناك فرقٌ أساسيٌّ بين معتقدات الطّائفتين، وإنّما هو فرقٌ لفظيٌّ إنّما نشأت لأسبابٍ سياسيّةٍ.
وتوضيح ذلك أنّه لم يكن هناك أيُّ فرقٍ بين الطّائفتين فى حياة مرزا غلام أحمد ولا فى عهد خليفته الأوّل حكيم نورالدّين، وكان جميعُ أتباع مرزا غلام أحمد خلالَ هذه المدّة الطّويلة يلقّبونه نبياً ورسولاً، وبقي محمد على اللاهوريّ (رئيس الطّائفة اللا هوريّة) برهةً من الزّمن رئيسَ تحريرٍ لمجلّة ريويو آف ريليجنز، ولم يزل فى كتاباته فى تلك المجلّة يلقّب مرزا غلام أحمد نبيّاً ورسولاً، ويعترف له بجميع صفات النّبوّة دون أيّ فرق بينه وبين أتباع مرزا الآخرين، فيقول مثلاً:
“مهما يفسر المخالف، إلا أنّنا قائلون إنّ الله قادِرٌ على أن يخلق نبيّاً ويختار صديقاً …..والذى بايعناه (أى المرزا) كان صادقاً، وكان رسول الله المختار المقدس”.
(مجلة ” الفرقان ” يناير ١٩٤٢م نقلا عن جريدة ” الحكم ” ١٨ يوليو ١٩٠٨م )
وقد نشرت صحيفة الجماعة اللاهوريّة “پيغام صلح” بياناً عن الجماعة اللاهوريّة كلّها وهذا نصّه:
“نحن نرى حضرة المسيح الموعود والمهدى المعهود نبىّ هذا العصر ورسوله ومنقذه.”
(پيغام صلح١٦ اكتوبر ١٩١٣ م بحوالة “الفرقان” يناير 1942م)
ولكن عندما تُوُفِّيَ خليفتُه الأوّل حكيم نورالدّين، واختار كثيرٌ من النّاس مرزا بشير الدّين خليفته الثّانى، حدث هناك نزاع سياسيٌّ بين محمّد علي اللاهوريّ و مرزا بشير الدّين محمود، و اعتزل محمّد عليّ اللاهوريّ عن الجماعة القاديانيّة، وأسس هناك جماعةً، وأصدر من قبلها قراراً، وهذا نصّه:
“إنّا نجيز اختيار مرزا بشير الدّين محمود كأميرٍ لمجرّد أن يبايع غير الأحمديين باسم أحمد، ويدخله فى السلسلة الأحمديّة، ولكن لا نرى الحاجة إلى أن يبايعه الأحمديّون ثانياً ….و ليس للأمير أن يتصرّف فى حقوق رئيس الجمعيّة الأحمديّه وامتيازاته الّتى منحها له حضرة المسيح الموعود ، واختاره لنفسه ثانياً.”
(الفرقان يناير ١٩٤٢م نقلا عن”پيغام صلح” ٢٤ مارس ١٩١٤م)
قد تبيّن من هذا القرار أنّ الجماعة اللاهوريّة لم يكن لها أيّ اعتراض على الجماعة القاديانيّة ولم ير مرزا بشير الدين غير أهل للخلافة، وإنّما كان النّزاع فى أن تفوّض كلُّ الاختيارات إلى الجماعة اللاهوريّة لا إلى الخليفة.
وبناءً على هذا الخلاف السياسيِّ لما بدأت الجماعةُ القاديانيّة تضطهد الجماعةَ اللاهوريّةَ فى مجالات الحياة، اضطُرّت الجماعةُ اللّاهوريّةُ إلى اكتساب عطف المسلمين، وبدأوا يقولون إنّهم لايرون مرزا غلام أحمد نبيّاً، بل يعتبرونه المسيحَ الموعودَ والمهديَّ والمجدِّدَ من غير أن يعلن برجوعه من كتاباته السّابقة.
والحقّ أنّ تقوّلهم هذا ليس إلا حيلة لفظيّة ، فإنّ الجماعة اللاهوريّه تقصد من لفظ المسيح الموعود والمهديّ والمجدّد، عين ما تقصده الجماعةُ القاديانيّةُ من لفظ ” النبيّ الظلّيّ “و “البروزيّ “، و هذا محمد علي اللاهوريّ يقول فى كتابه “النبوّة فى الإسلام” وقد ألّفه بعد انفصال جماعته عن الجماعة القاديانيّة:
“إنّ المسيح الموعود فى كتاباته السّابقة واللّاحقة قرّر أصلاً واحداً، وهو أنّ باب النبوّة مسدودٌ، غير أنّ نوعاً من النُّبوّة يمكن الحصول عليه، ولانقول: إنّ باب النبوّة مفتوحٌ، بل نقول: إنّ باب النبوّة مسدود، غير أنّ نوعاً من النبوّة ما زال باقياً ويستمرّ إلى يوم القيامة، ولا نقول :إنّه يمكن لشخص أن يصير نبيّاً، بل نقول: إنّ نوعاً من النبوّة يمكن الحصول عليه عن طريق اتباع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو الذى سمّى بالمبشرات فى مكانٍ، وبالنّبوّة الجزئيّة فى مكان آخر، وبالمحدثية فى موضِعٍ، وبكثرة المكالمة فى موضِعٍ آخر، ومهما تغيّرت الأسماءُ فقد تقرّرت علامته، وهي أنّه يحصل باتّباع الإنسان الكامل محمد صلى الله عليه وسلّم، وبالفناء فى الرّسول، وهو مستفاض من النبوّة المحمديّة، وهو نور المصباح النبويّ، وليس شيئاً مستقلّاً بل هو ظلٌّ.”
(النبوة فى الإسلام ص ١٥٨)
أليس هذا تلاعب بالألفاظ لبيان فلسفة الظّل والبروز الّتى سبق ذكرُها فى عبارات الجماعة القاديانيّة؟ فإن كان الأمر كذالك – وهوكذلك- فهل يبقى هناك فرقٌ بين الجماعة القاديانيّة والجماعة اللاهوريّة؟ ثمّ إنّ هذا ليست عقيدة محمد علي فحسب ، بل هى عقيدة الجماعةِ اللّاهوريّةِ كلِّها، فقد صرّح مندوبُ الجماعة اللاهوريّة فى المناقشة الّتى جرت بين الفريقين فى راوالبندى، وقد نشرها الفريقان على نفقتهما قائلاً :
“إنّ حضرته – المرزا – ظلّ ٌ كاملٌ من ظلال النبىّ صلى الله عليه وسلّم، ولذلك سميت زوجته -” بأمّ المؤمنين “- وهذا أيضا مرتبة ظلّيّة.”
واعترف أيضاً قائلاً :
“إنّ حضرة المسيح الموعود ليس نبيّاً، غير أنّ نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم انعكست عليه .”
(مباحثة راوالبندي ص١٩٦)
وكلّ هذه العقائد يؤمن بها الجماعةُ اللّاهوريّةُ حتَّى اليوم، وقد تبيّن من هذا أنّ الخلاف بين الجماعتين هو خلاف لفظيٌّ فقط، فالجماعةُ اللّاهوريّةُ وان كانت تسمّى المرزا بلقب “المسيح الموعود” و “المجدد” غير أنّها تعنِى من هذه الكلمات نفسَ المعنى الّذى تعنِيه الجماعةُ القاديانيّةُ من ألفاظ “النبيّ الظلّيّ” و “البروزيّ” أو “النبيّ غير التّشريعيّ” أو “النبيّ من الأمّة”.
ولا فرق بين الطّائفتين من حيث إنّ كلتيهما تعتقدان أنّ مرزا غلام أحمد القاديانيّ المتنبّئ كان ينزل عليه وحيٌ يجب اتّباعُه على سائر النّاس، وأنّ جميع ما كتبه او ادّعاه فى كتاباته حقٌّ، يجب إطاعتُه على كلّ مُسلِمٍ، بل يصرّح محمد عليّ اللّاهوريّ فى مقدمة كتابه “النبوّة فى الإسلام” أنّ الطّائفةَ اللّاهوريّةَ أشدُّ إيماناً بالمرزا غلام أحمد بالنسبة إلى الطائفة القاديانيّة. فيقول مخاطِباً الطائفةَ القاديانيّةَ:
“إنّكم بجعله -أي المرزا- نبيّاً كاملاً، لا تعترفون له برتبةٍ أعلى ممّا نعترف به نحن، بجعل نبوّته جزئيّاً، والحقّ أنّنا نؤمن بوجوب اتّباع وحيه إلى حدٍّ مساوٍ لما تؤمنون، بل إنّنا نؤمن به عملاً، أكثر مما تؤمنون به.”
(النبوة فى الإسلام ص ١٥٨)
وأمّا المسئلة الثّانية الّتى تدّعِى الطائفة اللّاهوريّة أ نّها تمتاز فيها عن الطائفة القاديانيّة هى مسئلة تكفير المسلمين، فتدّعِى الطّائفةُ اللّاهوريّةُ أنّها لاتكفر مسلماً لايؤمن بمرزا غلام أحمد القاديانيّ، بينما الطّائفة القاديانيّة تكفر جميع المسلمين الّذين لايؤمنون به.
والحقيقة أنّه لافرق بين الطّائفتين عملاً من هذا الجهة أيضاً، لأنّ الطّائفة اللاهوريّة تقول: لانكفر من لم يؤمن بمرزا، ولكن نكفر من “كذبه” أو “كفّره”، وظاهرٌ أنّ كل من لا يؤمن بمرزا غلام أحمد فإنه يكذبه فى دعاويه، ولا يوجد على وجه الأرض من لا يؤمن بمرزا بعد علم بدعاويه، ثمّ يزعمه صادقاً ولايكذّبه، فهناك بين العارفين بمرزا غلام أحمد قسمان لا ثالثَ لهما، إمّا المؤمنون به، و إمّا المكذّبون إيّاه، وكلّ من يكذّب بمرزا غلام أحمد فهو كافِرٌ عند الطّائفة اللّاهوريّة، فيقول محمّد علي اللّاهوريّ فى كتابه “رد تكفير أهل القبلة” :
“إنّ حضرة المسيح الموعود لم يعتبر إنكاره أو إنكار دعواه سبباً للكفر وإنّما جعل سبب التّكفير هو أنّه كفّره مفترياً، فعاد عليه الكفر بناء على الحديث الّذى يرد الكفر على المكفّر إذا لم يكن هو كافراً.”
ويضيف إلى ذلك قائلاً:
” لأنّ المكفّر والمكذّب متساويان معنى ، أى من يكفر المدعى- المرازا – ومن يكذّبه متساويان معنًى أي كلاهما يكفرانه فلذلك كلاهما داخلان فى الكفر فى ضوء هذا الحديث. ” (رد تكفير أهل القبلة ص ٢٩ و ٣٠ طبع ١٩٢٦م)
ومن هذه الجهة فإنّه لا فرق بين الطّائفتَين من أتباع المرزا فى مسئلة التكفير أيضاً.
وبعد إثبات ماذكرنا فإنّه يوجد فى الطّائفةِ اللّاهوريّة أسبابٌ تاليةٌ يكفي كلّ واحدٍ منها فى تكفيرهم.
١- لقد ثبت قطعاً أنّ مرزا غلام أحمد ليس هو المسيح الّذى وعد به عند قرب السّاعة، وأنّ الاعترافَ بكونه ذلك المسيحِ الموعودِ تكذيبٌ للقرآن الكريم والسّنّة المتواترة وإجماع الأمّة، ولما كانت الطّائفة اللّاهوريّة تؤمن بأنّ المرزا هو المسيح الموعود، فإنّها كافرةٌ خارجةٌ عن الإسلام.
٢- قد ثبت قطعاً أنّ مرزا غلام أحمد ادّعى النبوّة فى تقوّلاته وكتاباته، وأهان الانبياء عليهم السّلام وفضل نفسه على جميع الانبياء، فلا يبقى مسلماً من اعتبره إماماً فى دينه.
٣-سبق أن ذكرنا أنّ الجماعة اللاهوريّة تعتقد أنّ مرزا غلام أحمد ظلٌّ وبروزٌ للنّبيّ صلى الله عليه وسلّم-والعياذ بالله- وإنّ نبوّة محمّد صلى الله عليه وسلم قد انعكست فيه، وبهذا الاعتبار يصحّ إطلاقُ النّبوّة عليه، وإنّ هذه العقيدة لاتسعها دائرةُ الإسلام أبداً.
٤- و عَلاوةً على دعوى النّبوّة، فإنّ مؤلَّفاتِ مرزا غلام أحمد مليئةٌ بالكفريّات الأُخرَى، وإنّ الجماعة اللاهوريّة تُؤمِن بجميع هذه الكُفرِيّات وتعتبر كتب هذا المتنبئ حجّة واجبة الإطاعة، فتشارك مرزا غلام أحمد القاديانيّ فى جميع كفريّاته.
السؤال الرّابع:-
إنّ كون رجلٍ مسلماً أو كافراً يتوقّف على عقائده و أفكاره، وإنّ هذه المسئلة مسئلة عقيديّة وكلاميّة بحتةٌ، ولا يجوز أن يتدخّل فيها رجلٌ ليس له معرفةٌ بعلوم القرآن والسنّة ، ولا يجوز “لمحكمة علمانيّة ” أن تحكم فى هذه المسئلة الدينيّة الخالصة، ولا سيّما بعد ما بتَّ المسلمون فى مسئلة إسلامِ القاديانيّين برأيٍ انعقد الإجماعُ عليه، فلو حكمت محكمةٌ علمانيّةٌ بحكم مضادٍّ لما أجمعت عليه الأمّة الإسلاميّة، لن يُقبل حكمُها فى ذلك شرعاً، وإنّ رأيها فى ذلك لا تُوازِى حبّة خردلٍ.

والله سبحانه وتعالىٰ أعلم وعلمه أحكم و أتمّ.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ملحق: قرار مجمع الفقه الإسلاميّ الدُّوَليّ بشأن القاديانيّة
[أثبتنا القرار من مجلة المجمع]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه

قرار رقم 4
بشأن القاديانية
أما بعد:
فإنّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي فى دورة انعقاد مؤتمره الثانى بجدة من 10 – 16 ربيع الثاني 1406 هـ / 22 – 28 ديسمبر 1985م.
بعد أن نظر فى الاستفتاء المعروض عليه من “مجلس الفقه الإسلامي فى كيبتاون بجنوب أفريقيا” بشأن الحكم فى كلّ من (القاديانية) والفئة المتفرعة عنها التي تدعى (اللّاهورية) من حيث اعتبارُهما فى عداد المسلمين أو عدمه، وبشأن صلاحيّة غير المسلم للنظر فى مثل هذه القضيّة.
وفى ضوء ما قُدِّم لأعضاء المجمع من أبحاثٍ ومستَنَدَاتٍ فى هذا الموضوع عن (مرزا غلام أحمد القادياني) الّذى ظهر فى الهند فى القرن الماضى وإليه تنسب نحلة القاديانيّة واللّاهوريّة.
وبعد التّأمُّل فيما ذكر من معلوماتٍ عن هاتين النحلتين وبعد التّأكُّد من أنّ (مرزا غلام أحمد القادياني) قد ادّعَى النُّبُوَّةَ بأنه نبي مرسل يوحى إليه وثبت عنه هذا فى مؤلَّفاته الّتي ادّعى أن بعضها وحيٌ أُنزِل عليه وظل طيلة حياته ينشر هذه الدعوى ويطلب إلى النّاس فى كتبه وأقواله الاعتقادَ بنُبُوّتِهِ ورسالته، كما ثبت عنه إنكارٌ كثيرٌ مما علم من الدين بالضرورة كالجهاد.
وبعد أن اطّلع المجمعُ (أيضًا) على ما صدر عن (المجمع الفقهي بمكة المكرمة ) فى الموضوع نفسه.
قرّر ما يلي:
1- إن ما ادّعاه (مرزا غلام أحمد القادياني) من النُّبُوّة والرّسالة ونزول الوحي عليه إنكار صريح لما ثبت من الدين بالضرورة ثبوتًا قطعيًا يقينيًا من ختم الرسالة والنبوة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه لا ينزل وحي على أحد بعده، وهذه الدعوى من (مرزا غلام أحمد القادياني) تجعله وسائر من يوافقونه عليها مرتدين خارجين عن الإسلام، وأما (اللاهورية) فإنهم كالقاديانية فى الحكم عليهم بالردة، بالرغم من وصفهم (مرزا غلام أحمد القادياني) بأنه ظل وبروز لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
2- ليس لمحكمة غير إسلامية، أو قاض غير مسلم، أن يصدر الحكم بالإسلام أو الردة، ولا سيما فيما يخالف ما أجمعت عليه الأمة الإسلامية من خلال مجامع علمائها، وذلك لأن الحكم بالإسلام أو الردة، لا يقبل إذا صدر عن مسلم عالم بكل ما يتحقق به الدخول فى الإسلام، أو الخروج منه بالردة، ومدرك لحقيقة الإسلام أو الكفر، ومحيط بما ثبت فى الكتاب والسنة والإجماع : فحكم مثل هذه المحكمة باطل.
والله أعلم

[.جواب مقترح عن استفسارات مقدَّمة من قبل مسلمي جنوب إفريقيّا إلى مجمع الفقه الإسلاميّ الدّوليّ حول هذه الطائفة الزائغة، ويليه القرار الصادر من المجمع بشأنها]